ورد في المنشورات التي نشرتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»؛ والتي تمَّ توزيعها فى الضفة الغربيَّة، رسالة تهديد للفلسطينيِّين في الضفة تحمل هذه العبارات: «سنطردكم بقوَّة من أرضنا المقدَّسة التي كتبها الله لنا، والذي أمرنا بعدم الارتداد عنها مهما صار، لتتمَّ علينا كلِمَةُ رَبِّنَا الْحُسْنَى بِمَا صبرنا معكم، احملوا حمالتكم فورًا، وارحلوا من حيث ما أتيتم إنَّنا لآتُونَ»، (جريدة اليوم السابع).
وهذا النصُّ لم يأتِ من فراغٍ، ولكن من تزييف اليهود للتاريخ منذ قرون، وماضون في تزييفه بمناهجهم الدراسيَّة، حيث يقولُونَ إنَّ فلسطينَ هي أرضُ الميعاد التي وعدَهم اللهُ بها، فلقد بنى اليهودُ الصهاينةُ ادِّعاءاتهم بأرض الميعاد بأنَّ اللهَ رسمَ لهم مملكةً، وحدَّدها جغرافيًّا من النِّيلِ إلى الفُراتِ؛ طبقًا لما جاء في سفر التَّكوين «وأَعَطي لكَ ولنسلِكَ من بعدِكَ أرض غربت، كل أرض كنعان ملكًا أبديًّا» (تكوين: 17/ 8)، وفات اليهود أنّ نسلَ إبراهيم -عليه الصَّلاة السلام- ليسَ قاصرًا على فرع إسحاق عليه السَّلام، وإنَّما يشمل نسلَ إسماعيل -عليه السَّلام- الذين منهم الكنعانيُّون، وهم أوَّل مَن سكنُوا فلسطين، ولم يكنْ لنسل إسحاق -عليه السلام- من بني إسرائيل موطن؛ لذا سُمُّوا بالعبريِّين، أي الذين عبروا الصَّحراء.. وهذا يكشفُ زيفَ ما جاء في الإصحاح 22 الآية 1/ 2 أنَّ اللهَ امتحنَ إبراهيمَ فقال: ها أنا ذا فقال: (خُذٍ ابنكَ وحيدكَ الذي تحبُّه إسحاق، واذهبْ إلى أرض المريَّا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك)، فقد غيَّروا إسماعيل بإسحاق، وفاتهم أنَّ كلمة «ابنكَ وحيدكَ» تكشف زيفهم، فمعروف أنَّ إسحاقَ -عليه السلام- ليس الابنَ الوحيدَ لسيِّدنا إبراهيم -عليه الصَّلاة السَّلام- بل رزقه اللهُ تعالى أوَّلاً بإسماعيل -عليه السلام- وبعد أربعة عشر عامًا رزقه اللهً بإسحاق -عليه السلام-.
فالتوراةُ التي بنى اليهودُ حقوقهم في فلسطين على أسفارها، قد ثبت زيفُها، وأنَّها ليست التي نزلتْ على سيدنا موسى -عليه السلام-، فالتوراةُ الأصليَّةُ أصغرُ بكثير من التوراة المتداولة، وقد نُقشت على اثني عشر حجرًا، وكانت تُعبِّر عن الشريعة فقط، وأنَّه كانت على الأرجح مكتوبةً باللغةِ المصريَّةِ القديمةِ، التي كان يتقنُها سيِّدُنا موسى -عليه السلام-، أمَّا التَّوراة التي عند اليهود فهي مكتوبةٌ باللغةِ الآراميَّةِ، وقد كتبَها عزرا الورَّاق، وهو رئيس الكتبةِ الذين حرَّفُوا التَّوراة وبدَّلُوها، وقد أكمل الكهنةُ الذين جاءوا بعد عزرا ما بدأهُ هذا الكاهنُ.
والتَّوراةُ جُمِعت على مدى 1100 سنة، كان آخرها القرن الخامس الميلادي، ونتيجة لامتداد زمن التَّأليف إلى أكثر من ألف عام، وطوال عصور الجمع، يختلف أحبار اليهود أنفسهم في أسماء وعدد أسفار العهد القديم، ومنذُ خضوع التَّوراة للنَّقد في القرن السادس عشر، بدأ فريقٌ من العلماء المسيحيِّين في دراسة التَّوراة دراسةً نقديَّةً، وخرجُوا من دراستهم بأنَّ التَّوراة المتداولة لم تكنْ من عمل موسى -عليه السلام- وإنَّما كُتبت بعده بقرون.
وسأكتفي بما يُثبتُ تحريفَ التَّوراة، ما أصدره الحاخامُ اليهوديُّ يتسحاق شابيرا رئيس المدرسة الدينيَّة اليهوديَّة من فتاوى دينيَّة في كتابه «توراة الملك»، بقتلِ مَن هًو غير يهوديٍّ، إذَا كانَ يشكِّلُ خطرًا على اليهودِ؛ حتَّى لو كان طفلًا أو رضيعًا، مستندًا في فتاواه على نصوصٍ توراتيَّةٍ محرَّفةٍ؛ سمحت بعضُ أسفارها بقتلِ الرِّجالِ والنِّساءِ، وحتَّى الأطفالِ في حال اشتركُوا، أو كان لهم أيُّ ضلعٍ في تعريض اليهودِ للخطر.
وقد نسبُوا إلى النبيِّ حزقيال أنّه قال: لا تشفقْ أعينُكم، ولا تعفُوا عن الشَّيخِ، والشَّابِّ، والعذراءِ، والطفلِ، والنِّساءِ، واقتلُوا للهَلاكِ.. وقد صرَّحَ رئيسُ حزبِ شاس الدِّيني عفوديا يوسف بأنَّ: «الرَّبَّ قدْ نَدِمَ؛ لأنَّهُ خَلَقَ العَرَبَ»، ووصفَ العربَ بأنَّهم: أنجاسٌ، والموتُ لهم أفضلُ من الحياةِ.
وهذه الحربُ الدائرةُ -الآن- في غزة، وتصفية الرجالِ والشيوخِ والنساءِ والأطفالِ هي وفق نصوصِ التوراةِ التي كتبَها عزرا الوراق، فما تقومُ بهِ إسرائيلُ هو حرقٌ وتدميرٌ لمبانٍ، ومساجدّ وكنائسَ، ومدارسَ، ومستشفياتٍ ومخابزَ، مع قتلِ الرجالِ والشيوخِ والنساءِ والأطفالِ، إلى أنْ بلغَ عددُ القتلى أكثر من 12 ألفَ شهيدٍ، منهم ما يزيد عن خمسةِ آلافِ طفلٍ بعد مرور 43 يوماً من بدء الحرب.
فهل يُعقلُ أنَّ اللهَ «الخالقَ العادلَ»، الذي حرَّم الظُلمَ على نفسهِ، يأمرُ اليهودَ بقتلِ غيرِ اليهودِ ممَّن يشكِّلُونَ خطرًا على اليهودِ، حتَّى لو كانُوا أطفالًا رُضَّعًا؟.
لقد بيَّنَ اللهُ تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، تعرُّض التَّوراة للتَّحريف في سور: البقرة: 7، وآل عمران: 98، والأنعام: 9، والمائدة: 13، وفي البقرة: 79 (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
وهكذا نجدُ اليهودَ الصهاينةَ قد بنُوا وعدَ اللهِ لهم بأرضِ الميعادِ على أكذوبةٍ من صنعِ واضعِي التَّوراةِ المزيَّفةِ.