لمْ يتصوَّرْ أحدٌ في العالم أنَّ صحراءَ الربعِ الخالي في المملكة العربيَّة السعوديَّة، ستتحوَّل إلى صحراء تُساهم في تحقيق أهدافِ الرؤية المستقبليَّة للمملكة، وهو هدفُ تنويعِ مصادر الدَّخل، وتصبح أحد أهم منابع الثَّروات في المملكة، حيث تمَّ في عام 1968م اكتشاف إحدى كُبْرَى آبار البترول، وهي حقلُ الشَّيبة في وسط صحراء الرُّبع الخالي، على بُعد ما يقارب 500 ميل من مقر شركة أرامكو في الظَّهران، وكانت تحيطُ به الكثبانُ الرمليَّةُ بارتفاع 1000 قدم، وتعصفُ بها الرياحُ بسرعة 80 كم/ ساعة، وتصلُ درجاتُ الحرارة في الصيف إلى 50 درجةً مئويَّةً، فكانت هذه الظروف الصعبة عائقًا أمام تطوير واستغلال هذا الحقل، وبعد حوالى 30 عامًا، بدأت شركةُ أرامكو باستخدام الآليات والتكنولوجيا المتقدِّمة القادرة على تنفيذ المشروعات في الظروف الصعبة، حيث بدأت في عام 1995م بإعداد الدِّراسات والخطط والإستراتيجيَّات؛ للبدء في هذا المشروع الضخم، وبحلول عام 1998م تمكَّنت الشركةُ -بعد أنْ استغرقتْ حوالى 50 مليونَ ساعةِ عملٍ في أعمال الإنشاء، ونقل حوالى 13 مليونَ مترٍ مكعبٍ من الرِّمالِ، وشق طريق طوله 386 كم عبر الصحراء، وإنشاء مطار، وخط أنابيب بطول 645 كم، كما تمَّ حفر 145 بئرًا، وإنشاء 3 معامل لفصل الغازِ عن الزيت، وإنشاء مساكن للموظَّفين في هذه الصحراء القاحلة- تمكَّنت من إنجازِ وافتتاحِ المشروعِ.
ثمَّ بدأت شركةُ أرامكو في مشروع توسعةِ حقل النفط؛ لزيادة الإنتاج اليوميِّ، لترفع الطاقة الإنتاجيَّةِ الإجماليَّة إلى مليون برميل يوميًّا، ومشروع استخلاص سوائل الغاز الطبيعي؛ للحدِّ من استخدام الوقود السَّائل في توليد الكهرباء، واستخدام الغاز الطبيعيِّ بدلًا عنه؛ لأنَّه أقلُّ إنتاجًا للانبعاثاتِ، وأكثرُ كفاءةً للطَّاقةِ.
ومن الجدير بالذِّكرِ أنَّ احتياطيَّات حقل الشَّيبة في الرُّبع الخالي يمكنُ أنْ تلبِّي احتياجات العالم من النفط لأكثر من 160 يومًا، واحتياجات أوروبا لأكثر من عامين.
أمَّا الاكتشافُ الجديدُ الذي أعلن عنه وزيرُ الطَّاقة، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، هو تمكُّن شركةِ أرامكو من اكتشافِ حقلَين للغازِ الطبيعيِّ في الرُّبع الخالي، حيث جرى اكتشاف حقل (الحيران) للغازِ الطبيعيِّ، بعد أنْ تدفَّق الغازُ بمعدل 30 مليونَ قدمٍ مكعبةٍ قياسيَّةٍ في اليوم، كما تمَّ اكتشافُ حقل (المحاكيك) بعد أنْ تدفَّق الغازُ بمعدل 0.85 مليونَ قدمٍ مكعبةٍ قياسيَّةٍ في اليوم، كما تمَّ اكتشافُ تدفُّق الغازِ الطبيعيِّ في خمسةِ حقولٍ مكتشفةٍ مُسبقًا في حقل (عسيكرة) في الرُّبع الخالي، وحقل (شدون) غرب مركز حرض، وحقل (مزاليج) جنوب غرب الظِّهران، وحقل (الوضيحي)، وحقل (أوتاد) جنوب غرب الهفوف.
إنَّ اكتشافَ حقولِ الغازِ الطبيعيِّ الجديدة، ستساهمُ في تعزيزِ مكانة المملكةِ دولياً في إنتاجِ الغازِ وتصديره بحلول عام 2030، كما أنه يساعدُ في توليد الطاقة، وتلبية الاحتياجات المحلية، وتصدير الفائض، والذي بدورِهِ يؤدي إلى زيادةِ الإيراداتِ الحكوميةِ، وتعزيز الاستقرارِ الاقتصاديِّ، ودعم الصناعةِ المحليةِ، بالإضافةِ إلى استقطابِ الاستثماراتِ الوطنيَّة والدوليَّة في مجال الصناعاتِ البتروكيماويَّةِ، وتنمية قطاعاتٍ جديدةٍ مثل الطَّاقة المتجدِّدة والتكنولوجيا، والصناعات المرتبطةِ بالغازِ الطبيعيِّ.