كان لافتًا أنْ يبدأ وزيرُ الخارجيَّة السعوديُّ الأمير فيصل بن فرحان، على رأس وفد إسلاميٍّ عربيٍّ مشترك، جولته على الدُّول الخمس الدَّائمة العضويَّة في مجلس الأمن الدوليِّ، بزيارة الصين، تلاها زيارة موسكو، قبل أنْ يزورَ أيًّا من الدُّول الغربيَّة بما فيها أمريكا. اختار جو بايدن «الرئيس الأمريكي» أنْ يجلس في مجلس الحرب الإسرائيليِّ حالما وضعت تل أبيب خطَّتها لضرب حركة حماس في غزَّة، في بادرة لم يُقدِم عليها أيُّ رئيس أمريكيٍّ من سابق، وفي مؤشِّر على أنَّ أمريكا تعتبر إسرائيل ولايةً من ولاياتها عليها حمايتها، وضمان أمنها ورفاهها، وهو اختيارٌ حدَّد فيه البيتُ الأبيضُ الأمريكيُّ، وتلته دول غربية أُخْرَى، موقفه من الهجمات الهمجيَّة على الفلسطينيِّين في غزَّة، بل والضفَّة الغربيَّة، وليس على حماس فحسب، ولم تتراجع جبهةُ رفض وقف إطلاق النَّار الغربيَّة في غزَّة أمام مشاهد الأطفال والنساء، الذين سقطوا نتيجةً للعدوان الإسرائيليِّ، الذي لم يُفرِّق بين الصغير والكبير، وعجز عن الوصول إلى أهدافه التي استهدفت قيادة حماس، (تحقَّقت الآن الهدنة، فعسى أنْ تتواصل، ويعود الفلسطينيُّ للعيش والمعاناة، كما كان دائمًا وأبدًا، إلى أنْ تُحَلَّ قضيَّة دولتهِ).
الصينُ أصبحت أكثرَ جذباً لدول الجنوب العالميِّ، ومنهم العربُ والمسلمون بشكلٍ عامٍّ؛ لأنَّ علاقتها بهم لم تكن علاقةً استعماريةً في السابق، ولا علاقة فرض الإذعان عليهم اليوم. حيث وقفت ضدَّ الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وطالبتْ بقيام دولةٍ فلسطينيةٍ على أرض فلسطين.
ولن يقطع العربُ علاقتهم بأيِّ دولة غربيَّة، بما فيها أمريكا، إذ إنَّهم لا يرغبُون في أنْ يكونوا محسوبين على أيِّ قوَّةٍ عالميَّةٍ أو أُخْرَى، بل يريدُون تحقيق توازنٍ في علاقاتهم بكلِّ الدول بشكل يُحقِّق مصالحهم، بدون فرض وتهديد.
منتصف الشهر الماضي فتحت أمريكا ذراعيها لاستقبال الرَّئيس الصينيَّ «شي جين يينغ» في قمَّة منتدى التَّعاون الاقتصاديِّ لآسيا والمحيط الهندي (أبيك) بمدينة سان فرانسيسكو، التي تمَّ تنظيف شوارعها من القذارة الناتجة عن عيش أعداد كبيرة من أهلها في الشوارع، بحيث شكر سكان المدينة الرَّئيسَ الصينيَّ على أنَّه حقَّق بزيارته تنظيف المدينة، التي كان المسؤولُون فيها يرفضُون القيام به قبل ذلك. والتقى الرَّئيسُ الأمريكيُّ «جو بايدن»، مع الرَّئيس الصيني، لقاءً طويلاً، استغرق أكثرَ من أربع ساعات. وسعى رجالُ الأعمال الأمريكيُّون للحصول على فُرص عمل مع الوفدِ الصينيِّ، الذي كان يضمُّ مديري كُبْرَى الشركات الصينيَّة. واستجابةً لنداء الرَّئيسِ الصينيِّ لهم بالاستثمار، وتعزيز وجودهم في الصين.
رئيس جمهوريَّة الصين الشعبيَّة السابع «الرئيس شي» بدعم من العملاق العسكريِّ الروسيِّ، يهدفُ إلى تغيير النظام العالميِّ القائم على فرض الهيمنة، بينما تسعى أمريكا، (ومعها دول الغرب)، احتواء القوَّة الصينيَّة الصاعدة. وفي هذا المجال قال وزيرُ الخارجيَّة الصيني لضيوف آسيويين، في مؤتمر حضره يابانيُّون وكوريُّون جنوبيُّون، شرق الصين: إنَّ الأمريكيِّين والأوربيِّين لا يمكنهم أنْ يُميِّزوا الصينيَّ من اليابانيِّ، أو الجنوب كوري، وواصل: «مهما صبغتم شعركم، أو عملتم عمليَّات لأنوفكم، لن تصبحوا أمريكيِّين أو أوروبيِّين. لن تُعتبروا غربيِّين؛ لذا احتفظوا بهويَّتكم واستقلالكم عن أمريكا، حتى يمكننا بناء آسيا مع بعضنا البعض».
وفيما يتعلَّق بعلاقتها بالعالم العربي، نشرت وزارة الخارجيَّة الصينيَّة وثيقةً في إطار منتدى التَّعاون الصينيِّ الغربيِّ في ديسمبر الماضي. تقول إنَّها أقامت علاقات شراكة إستراتيجيَّة مع اثنتي عشرة دولةً عربيَّةً على صعيدٍ ثنائيٍّ.
ومثل هذه العلاقات هي بداية لتوثيق العلاقات العربيَّة الصينيَّة، في زمنٍ يبدو أنَّ أمريكا والغربَ يتحوَّلُون عن منطقة الشرق الأوسط. ويسعون لتضخيم طرفٍ فيه؛ على حساب أطرافٍ أُخْرَى في المنطقة؛ ممَّا يؤدِّي إلى فقدان الثِّقة بواشنطن، وزيادة الثقة بالنسبة لبكين.