المتتبِّعُ لوجود اليهود في فلسطين، يجد أنَّه كان متقطِّعًا، وعابرًا، وفي مناطق محدَّدة، وبأعداد قليلة، ولا وجود لأيِّ أثرٍ له في فلسطين، وهذا ما أقرَّ به علماءُ آثار ومؤرِّخُون إسرائيليُّون غربيُّون، كعالِم الآثار الإسرائيليِّ «إسرائيل فلنكشتاين»، فقد نفى أيَّة صِلَةٍ لليهود بمدينة القدس، ويرى أنَّها لم يعشْ فيها اليهودُ مطلقًا، ولم يتم بناء أيِّ هيكلٍ على مرِّ العصور، وأنَّ قصص الهيكل مُختلقة. وأنَّ هيكل سليمان لا يوجد أيُّ شاهدٍ أثريٍّ يدلُّ على أنَّه كان موجودًا، فعلى أيِّ أساسٍ يزعمُ اليهود الصهاينة أنَّ القدسَ عاصمةٌ أبديَّةٌ لدولتهم؟.
أمَّا رافاييل جرينبرج فيقول: كان من المفترض أنْ تجدَ إسرائيلُ شيئًا حال واصلت الحفرَ لمدَّة ستة أسابيع، غير أنَّهم يقومُونَ بالحفرِ في مدينة داود بحي سلوان بالقدس منذ عامين، ولم يعثرُوا على شيءٍ.. بينما يقرِّرُ فرانسيس نيوتن في كتابه: «الانتداب على فلسطين»، أنَّه لا يوجد فيها نقشٌ واحدٌ يمكن أنْ يُنسب إلى المملكة اليهوديَّة، فلقد فشلت اليهوديَّة في تقديم أيِّ أثرٍ لداود وسليمان -عليهما السلام-.
وتقول الرَّاهبةُ كارين أرمسترنج: كشفت حفريَّات الأثريِّ الأمريكيِّ «فريديريك ج بليس» عن لوح مسماريٍّ في تلِّ الحصى على بُعد حوالى ثلاثين ميلًا جنوب القدس، وكان اللَّوحُ يماثلُ تلك الألواح التي كُشِفَت مؤخَّرًا في تلِّ العمارنةِ في مصر، وأصبح من الواضح أنَّ تاريخَ الأرض المقدَّسة لم يبدأ مع الإنجيل. كما اكتشف بليس تعقيدات مماثلة في القدس، وأصبح مقتنعًا أنَّ مدينة داود الأصليَّة ليست هي التي افترض النَّاس وجودها على جبل صهيون، رغم عدم إمكانه تقديم البرهان على ذلك، وأنَّ المدينة كانت على تلِّ الأكمة.. فهل كانت كلُّ تلك الصِّراعات حول ما يُسمَّى بمقبرة داود ضربًا من الهراء؟. بيد أنَّ بليس حينما بدأ حفريَّاته في الأكمة، وجدَ أنَّه من غير الممكن استمرار الحفر بالاتِّجاه التَّحتي، ليتم الكشف عن مدينة داود ببساطة، فقد وجد أنَّه ليس من السهولة تحديد تاريخ بنايات كثيرة؛ ممَّا كُشِفَ عنه، غير أنَّه أصبح من الواضح أنَّه تمَّت سكنى التلِّ بأشكال متتابعة منذ العصر البرونزيِّ وإلى العصر البيزنطيِّ.
وتضيف كارين: واستطاع الأثريُّ هيوز فنسنت -من طائفة الدومينيكان- أنْ يُكملَ حفريَّات بليس على تلِّ الأكمة، وتمكَّن من أنْ يبرهن أنَّ المدينة في شكلها الأكثر قدمًا مدينة داود -عليه السلام- كانت تقعُ على تلِّ الأكمة الذي يقع جنوب الجدران الحاليَّة للمدينة القديمة، لا على جبل صهيون، كما عُثِر على مقابرَ من العصر البرونزيِّ، ونُظم مياه وتحصينات، أثبتت كلُّها أنَّ للمدينة تاريخًا أكثر قدمًا من داود -عليه السلام-، ومن ثَمَّ لم يكنْ بالإمكان الادِّعاء بأنَّ المدينة ملكٌ لليهود على أساس أنَّهم أوَّل مَن سكنُوها، وفي الواقع قد تعمَّد الإنجيلُ توضيحَ أنَّ الإسرائيليِّين قد انتزعُوا كلًّا من فلسطين وأورشليم من أيدي سكَّان محليِّين.
وهذا يؤكد أنَّ أسماء القدس الرئيسة كانت سابقة للوجود الإسرائيليِّ فيها، كما لا يمكن رد هذه الأسماء إلى اللغة العبريَّة، إذ هي سابقة كذلك على ظهور تلك اللغة.
ويحدثنا التاريخ أنه لا توجد أية مدينة في فلسطين بناها اليهود، أو تحمل اسماً يهودياً، فأسماء جميع قرى ومدن فلسطين كانت -وما تزال- كنعانية عربية، ولم يكن لبني إسرائيل أي وجود تاريخي فيها في زمنَي دواد وسليمان -عليهما السلام-. وادعاؤهم بوعد الله لهم بدولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، ومن جنوب العراق إلى دلتا مصر، فيه مغالطة تاريخية كبرى، فعندما يتحدَّث التاريخ عن سكَّان وادي الرَّافدين، وبلاد الشام، ومصر وحضارتهم، لم نجدْ ذكرًا للعبريِّين؛ لأنَّهم قبائلُ لا وطنَ لها، تتنقَّل بماشيَّتها حيث الماءُ والمرعى، ولم تُسهم في تكوين أيَّة حضارة.
أمَّا مملكةُ إسرائيل الموحَّدة التي جاء ذكرُهَا في التَّوراة كمملكةٍ لجميع أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، سمَّاها باحثُو التَّوراة بمملكةِ إسرائيل الموحَّدة، للتَّفريق عن المملكتَين اللتَين انفصلتا عنها لاحقًا، إلى مملكتَي يهودا (الجنوبيَّة)، ومملكة السَّامرة (الشماليَّة).. ويقصد بيهودا حاليًّا، كل المنطقة الممتدَّة جنوب القدس، بما في ذلك منطقة جوش عتصيون (في محافظة بيت لحم)، وجبل الخليل (محافظة الخليل)، بينما منطقة السَّامرة تشير إلى المنطقة الواقعة شمال القدس، وخصوصًا (محافظة نابلس ورام الله).
ولم تحافظ مملكتا يهودا والسامرة على استقلالهما، إذ خضعتا للحُكم الأجنبيِّ الآشوريِّ، ثمَّ البابليِّ والمصريِّ، وقد انهزمت الإمبراطوريَّة البابليَّة أمام بلاد فارس عام 539 ق.م. وظلَّت يهودا تحت الحكم الفارسيِّ إلى أنْ نجح الإسكندر الأكبر في غزوها عام 332 لتصبح تحت حكم الإمبراطوريَّة السلوقيَّة الهلنستيَّة، ثمَّ وقعت يهودا تحت حُكم الرومان في القرن الأوَّل قبل الميلاد.. فعلى أيِّ أساسٍ يعتبرُ أتباعُ الدِّيانة اليهوديَّة من قادةِ وشعبِ دولة إسرائيل، أنَّ ما حوته تلك المملكةُ من أراضي الضفَّة الغربيَّة التي يُطلقُونَ عليها (يهودا والسَّامرة) هي أراضٍ مقدَّسةٌ لدولة إسرائيل الحاليَّة التي لا تنتسب إلى بني إسرائيل إنثروبولوجيًّا؟!.
مؤرِّخون إسرائيليُّون.. يقرُّون بعدم وجود آثار لليهود في فلسطين
تاريخ النشر: 06 ديسمبر 2023 23:47 KSA
A A