«المدينة» قامت بجولة داخل متاجر بعض بائعي الوهم التي تعجُّ بأنواع المساحيق والأعشاب، وعلب الزيت والعسل، وقوارير المياه بأحجام مختلفة، وأسعار تتراوح ما بين ١٠ريالات لقارورة المياه حجم صغير، و٣٠ ريالًا للحجم الكبير.
والعجيب في الأمر أنَّ القارئ يدَّعي أنَّه يخدم المرضى لوجه الله، من خلال القراءة الجماعية أو الانفرادية، إلَّا أنَّه هو مَن يحدد فاتورة البيع الواجب شراؤها من متجره، ويدفع المريض في الحدِّ الأدنى ما يقارب ٣٠٠ ريال مجموع الأدوية المباركة بالنَّفث وتكرار الصَّرف حتى يتمتع بالشفاء.
ودأب تجار الوهم على بيع الماء مع زيوت لا يُعرف حقيقة مصدرها، فيما اتَّخذ أغلبهم محلات العطارة لترويج علاجاتهم المزعومة، ولو ذهبت إلى العطار وطلبت منه رقيه شرعية لوجدت لديه أنواع الزيوت والمياه، وبعض الأعشاب بأسماء معالجين ورقاة أغلبهم تحت مسمَّى الشيخ أبي فلان، وأبي فلان.
ومع كثرة مَن يمتهنون الرقية بغرض التكسب المالي، انتشرت قصص مرعبة لرقاة استخدموا أساليب مختلفة، ولم يراعوا فيها نفسية المريض، منها لمس النساء أثناء القراءة، وهذا لا يجوز، وحرام شرعًا، وكذلك الخنق والضرب بحجة ضرب الجان؛ حتَّى تطور الأمر إلى صرف أدوية.
أكل المال بالباطل
من جهته أبدى د. عمر بن سليمان الشلاش أستاذ علم النفس المشارك بجامعة شقراء والاستشاري النفسي والأسري أسفه الشديد للوضع الراهن، وقال إنَّ بعض مَن امتهنوا الرقية الشرعية يأكلون أموال الناس بالباطل، وبصفتي مختصًّا في المجال العيادي والصحة النفسية فإنَّ البعض منهم يعاني من مشكلات نفسية، وبعضهم لديه نقص، والبعض يظهر بأنَّه شخصية مفيدة مهمَّة في المجتمع، ولا أُحمِّل المسؤولية كاملة لهولاء الأشخاص بقدر ما أُحمِّل بعض المرضى لتوجههم لهولاء الرقاة بدون التحقق من كفاءاتهم وعملهم النظامي.
وحتى نناقش الأمر من الجانب النفسي نجد أنَّ أغلب الحالات ليست مصابة بأمراض روحية، ومن خلال كشفي في العيادة وجدتُ أنَّ مشكلات هولاء المرضى ترجع إلى ربطهم الدِّين بموضوع الرقية، ولا مجال للتشكيك، لكن لا نجعله شمَّاعة لكل شيء، ومن ضمن المراجعين لديَّ أناس ليس لديهم نقص في العبادات، لكن تعرَّضوا لصدمات ومشكلات نفسية، وما يحتاجه هو وصفة علاج نفسي ودوائي.
رقاة يصرفون أدوية
وأضاف إنَّ البعض من الرقاة وصل بهم الحال لصرف أدوية، وعلى المواطن التبليغ عنهم، وعلى الشخص المريض الذهاب للعيادات حتى يتم تشخيص حالته، وبعض الحالات مهما قرأت عليه لا تفيد؛ لأنَّ المرض نفسي. وأبدى أسفه لأن بعض مَن امتهنوا الرقية الشرعية لديهم القدرة الإيحائية والتأثير على المريض؛ لضعف مستوى الثقافة والوعي، ويجب على الراغب في الرقية التأكد من مصداقية الشخص من خلال الترخيص.
وأشار إلى أنَّ كثيرًا من محلات العطارة تستغل إقبال الناس -وخاصَّةً النساء- فيكون بجانب العطارة شخص يقرأ على النَّاس، والرقية لا يشك أحد في شرعيتها، ولكن ليس من المقبول أنْ ترتبط محلات العطارة بالرقية، واستغلال الناس بحيث يضع الراقي الماء -والذي قرأ فيه القرآن- يضعه في المحل الذي بجانبه، وبأسعار مبالغ فيها؛ لأن ذلك فيه نوع من الاستغلال المحرَّم.
