تمتلك المملكة ميزةً فريدةً غير موجودة لدى أيِّ بلد آخر، تتمثَّل في مكانتها الدينيَّة الرَّاسخة في نفوس ملياري مسلم، أي ما يُوازي 25% من عدد سكَّان العالم، ويجب أنْ نستغل هذه الميزة فيما يتعلَّق بصناعة المنتجات الحلال، خاصَّةً للجاليات المسلمة في الدول الغربيَّة والآسيويَّة، فعدد هذه الجاليات يُقدَّر بالملايين، وتبحث دائمًا عن الطعام الذي يتوافق مع الشريعة الإسلاميَّة، فيكفي فقط وجود كلمة «صُنع في السعوديَّة» على المنتج، وستجد أيَّ مسلم في أيِّ مكان في العالم بصورةٍ تلقائيَّةٍ، يقوم بشراء هذه السِّلعة التي تتوافق حتمًا مع الشريعة الإسلاميَّة.
صناعة المنتجات الحلال لا تتعلَّق فقط باللحوم المذبوحة على الشريعة الإسلاميَّة، وإنْ كانت تُمثِّل سوقًا ضخمًا من الاقتصاد الحلال، ولكنَّها تمتدُّ لتشمل الكثير من الأطعمة الخالية من دهون الخنازير، أو الكحول، خاصَّةً الألبان والأجبان، أو أيِّ عنصر، لا يجوز أنْ يدخل في أطعمة المسلمين، (ليس هذا فقط، بل تتَّسع منتجات الحلال لتشمل المنتجات الخاصَّة بالتَّجميل، والعطور).
يُنفق على الأغذية والمشروبات الحلال حول العالم 1.17 تريليون دولار سنويًّا، بينما يُنفق أقل من تريليون دولار على بقية المنتجات التي لا توصف بالحلال، وفقًا لـ«بي بي سي»، فصناعة المنتجات الحلال ضخمة للغاية، حيث تمثِّل 30% من الأطعمة التي تُباع حول العالم، سواء في الدول الإسلاميَّة، أو الدول غير الإسلاميَّة، تحت مُسمَّى منتجات حلال، وبلغ عدد المستهلكين لمنتجات الحلال ملياري شخص تقريبًا، وفقًا لإحصاءات الاتحاد العالمي للأغذية الحلال، وتشير التوقُّعات أنْ يرتفع نموُّ هذه الصناعة الضَّخمة في عام 2030؛ ليصل لـ10 تريليونات دولار بحسب دراسة حديثة لوكالة الأنباء الإسلاميَّة التابعة لمنظَّمة التَّعاون الإسلاميِّ «إينا».
من المثير للدهشة أنَّ من يستحوذ على هذه الصناعة دول غير مسلمة مثل: الهند والبرازيل والنمسا والولايات المتحدة والأرجنتين ونيوزيلندا وفرنسا وتايلاند والفلبين وسنغافورة، وتبلغ حصة ما تنتجه تلك الدول من إجمالي سوق المنتجات الحلال حول العالم نحو 85%، فيما تبلغ حصَّة الدُّول المسلمة من هذا الإنتاج 15% فقط! وتأتي ماليزيا وإندونيسيا وتركيا في مقدمة الدُّول المسلمة المساهمة في الاقتصاد الحلال، وهذا قد يدفع البعض للريبة والشكِّ، ويُضعف الثِّقة حول حقيقة كون هذه المنتجات حلالًا بالفعل أم لا؟.
فبعض الدُّول الغربيَّة تمنع ذبح الماشية وفقًا لمعايير الشريعة الإسلاميَّة، بحجَّة أنَّها تتعارض مع حقوق الإنسان، وينصُّ القانون الأوروبيُّ على وجوب تخدير الحيوان قبل ذبحه، وهو ما يتعارض مع تعاليم الإسلام، التي تنصُّ على ضرورة أنْ يكون الماشية سليمة من الناحية الصحيَّة، وإسالة الدِّماء عند الذَّبح، مع عدم استخدام الصَّعقِ الكهربائيِّ، أو التَّخدير قبل الذَّبح، وهي الطرق المتَّبعة في معظم الدُّول الأوروبيَّة، وهو ما يعني وجود حاجةٍ لدى المسلمين في هذه الدُّول للبحث عن اللحوم الحلال الموثوقة، وخصوصًا أنَّ أبحاث العلم الحديث أثبتت أنَّ الذَّبح بالطريقة الإسلاميَّة هو أسلم وأنظف طريقة، وهو ما يُعطي فرصةً كبيرةً لنموِّ هذه الصناعة في المملكة، سواء من خلال إقامة صناعات على أرض المملكة، أو من خلال إعادة تصدير هذه المنتجات، بعد الإشراف عليها تمامًا، وبيعها تحت براند يرتبط اسمه باسم المملكة؛ لما للمملكة من مكانة متميِّزة وراسخة في نفوس المسلمين.
وأخيرًا وليس آخرًا، فيجب الاستفادة من قدرات ومكانة بلادنا، فالله -عزَّ وجلَّ- خلق لكلِّ بلدٍ ميزةً، فقد لا نستطيع المنافسة في إنتاج بعض المنتجات التكنولوجيَّة المتقدِّمة والمعقَّدة في الوقت الرَّاهن، لكنْ في الوقت نفسه لن يستطيع أحدٌ في العالم منافسة المملكة في مكانتها الدينيَّة المترسِّخة لدى أكثر من ملياري مسلم، ولذلك علينا استغلال هذه المكانة، وإقامة صناعة قويَّة لمنتجات الحلال، تواكب هذا الزَّخم والتَّقدير والمحبَّة الموجودة لدى بلادنا.