Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

تصدير العقار

A A
تصدير العقار من أهمِّ مصادر الدَّخل القوميِّ، وتنويع الاقتصاد في العديد من دُول العالم، ولا يُقصد بهذا اللَّفظ المعنى الحرفيُّ للكلمة، فالعقارُ لن يُفكك ويُصدَّر مثل باقي السِّلع والمنتجات، ولكنَّ المقصود بتصدير العقار هو القدرة على جذب المستثمر الأجنبيِّ نحو الاستثمار في الأصول العقاريَّة المختلفة داخل الدَّولة بالعُملة الأجنبيَّة، ويساهم بصورة كبيرة في توفير العملة الأجنبيَّة، وتشجيع الاستثمار، والترويج للسياحة، وتعزيز مكانة الدُّول على خريطة الاستثمار العقاريِّ العالميِّ.

فكرة تصدير العقار، ليست قائمةً على بناء عقار فاخر بمقاييس عالميَّة فقط، ولكنَّها عبارة عن صناعة متكاملة الأركان، فإذا فَقَدَت أحد أركانها فشلت بالكامل، فهي سلسلة متَّصلة بعضها ببعض، فلكي ننجح في تصدير العقار، واحتلال جزءٍ من الكعكة العالميَّة من هذه التِّجارة الضَّخمة التي تُقدَّر بـ2.5 تريليون دولار «التريليون 1000 مليار»، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الشرق الأوسط للاستثمار العقاري (MEII)، فمن الضروري العمل على التَّسويق بشكل جيِّد لشراء العقار في المملكة، والعمل على تقديم تسهيلات للإقامة في البلاد، لمَن يشتري عقارًا بمبلغ معيَّن، فبعض الدُّول تقدِّم تسهيلات تصلُ إلى حدِّ منح الجنسيَّة، فبالتَّأكيد مَن يستطيع أنْ يشتري عقارًا بمبلغٍ كبيرٍ نسبيًّا، سيكون مستثمرًا، وبالتَّالي تسهيل شراء العقار، سيكون اللَّبِنة الأولى في تسهيل جذب الاستثمارات الأجنبيَّة.

وتُعتبر دُول شرق أوروبا، وبعض دُول البحر الأبيض المتوسِّط، والشرق الأوسط من أكثر الدُّول نشاطًا في مجال التَّصدير العقاريِّ ومن أهمِّ هذه الدُّول إسبانيا وتركيا واليونان وقبرص والإمارات، واحتلَّت إمارة دبي المرتبة الرَّابعة عالميًّا من حيث عدد وقيمة العقارات الفاخرة المُباعة، والتي يتجاوز سعرها 10 ملايين دولار خلال العام 2022، حيث سجَّلت بيع 219 وحدةً عقاريَّةً فاخرةً بقيمة 3.8 مليار دولار، وتصدَّرت القائمة مدينة نيويورك بعدد 244 وحدةً عقاريَّةً بقيمة 4.5 مليار دولار، تليها مدينة لوس أنجلوس بعدد 225 وحدةً عقاريَّةً بقيمة 4.3 مليار دولار.

وتُعدُّ تركيا من أهمِّ الوجهات في الشَّرق الأوسط لتصدير العقار، حيثُ نجحت أنقرة في بيع 68 ألفًا و600 عقارٍ للأجانب في 2021، فقد اشترى الأجانب 8630 عقارًا في شهر واحد فقط، ومن أهمِّ مُحفِّزات شراء العقار في تركيا هي الحصول على الجنسيَّة، حال شراء عقار بـ400 ألف دولار، حسب التَّعديلات الأخيرة على قانون الجنسيَّة التركيَّة.

أما المملكة، فلديها العديدُ من المحفزات والمميزات الفريدة وغير الموجودة لدى أيِّ بلد آخر، فالمملكة قادرة على تسويق بيع العقار لأكثر من ملياري مسلم حول العالم، أي 25% من سكان العالم يرغب السكن في المملكة، مثل جيرة الحرمين، وزيارة البيت الحرام في أي وقت، خلاف امتلاك المملكة الكثير من الأماكن السياحية الدينية، ومن الممكن اختيار بعض المدن القريبة من مكَّة والمدينة، وبناء الكثير من الوحدات السكنيَّة والعقارات الصَّالحة للبيع للأجانب، ومن ثم تصدير العقار، فبمجرد وجود أيِّ مسلم في المملكة، سيستطيع زيارة مكَّة والمدينة في أيِّ وقت، وهذا شيء عظيم في نفس أيِّ مسلم، فيكفي لتسويق بيع العقار للأجانب، بأنَّ مَن يشتري العقار سيكون قادرًا على زيارة البيت الحرام، والمسجد النبوي، وقبر رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، والكثير من الأماكن المقدَّسة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وخصوصًا أنَّ بلاد الحرمين قد خصَّها اللهُ بالأمن والأمان، فالتحرُّك والسَّفر الآمن على مدار السَّاعة، وتحقيق ما سعت عليه حكومتنا الرشيدة من توفُّر شبكة الطرق الضَّخمة والقطارات إلى الأماكن المقدَّسة، ساعد على أن تكون المدن المجاورة، أو البعيدة سهلة الوصول إلى الحرمين.

وأخيرًا، وليس آخرًا، فإنَّ العقار ليس مجرَّد بناء، ولكنَّه صناعة ضخمة، ويؤدِّي إلى تشغيل الكثير من الصِّناعات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى مثل صناعة الأسمنت، والحديد، والأدوات الكهربائيَّة، وصناعة الأثاث، والزُّجاج، وأدوات الصَّرف الصحيِّ، والمفروشات، وصناعة المعدَّات المُستخدَمة في البناء، وغيره من عشرات الصِّناعات التي توفِّر آلافًا بل ملايين من فُرص العمل، ولذلك فإنَّ هناك ضرورةً للنَّظر إلى العقار على أنَّه صناعةٌ كبيرةٌ وضخمةٌ ومتشعبةٌ، وليس مجرَّد بناء مكوَّن من أسمنت وحديد، وبالتَّالي وضع إستراتيجيَّة لتصدير العقار، بما يساهم في تنوُّع مصادر الدَّخل القومي، ويُعزِّز من قوَّة الاقتصاد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store