ضمن رحلات الشورحالة السنويَّة، وقع الاختيار على حائل هذا العام، والإقامة في فندق ميلينيوم، الذي أقامه صندوق التَّعليم العالي على أرض جامعة حائل، التي تبلغ مساحتها عشرة ملايين متر مربع، واستُقطِع جزءٌ منها للفندق، الذي يبعد 18 كم عن وسط المدينة، التي تُعدُّ أنظف المدن السعوديَّة، وقد حازت على جائزة من وزارة الشؤون البلديَّة، ومازالت حائل، وكلُّ المحافظات التَّابعة لها متميِّزةً بنظافتها، فضلًا عن شُهرتها التُّراثيَّة بمواقع الفنون الصخريَّة والنُّقوش الكتابيَّة، التي يعود أقدمها إلى عصور ما قبل التَّاريخ.
اليوم الأوَّل شمل زيارة قلعة «أعيرف»، و»متنزَّه السَّمراء»، و»حي السرور».
وتتميَّز مدينة حائل بشبكة طرق حديثة، تُغطِّي مساحاتٍ واسعةً بين المعشوقين، «أجا وسلمى»، وهناك متحفٌ تراثيٌّ خاصٌّ يُسمَّى متحف مطلق السرور، أنصحُ بزيارته لشموليَّته على التُّراث الحائليِّ.
وفي اليوم الثَّاني، كُنَّا على موعدٍ مع منطقة (فدك) التاريخيَّة، التي تبعد أكثر من ساعتين من حائل، حيث التُّراث العالميُّ. وفي أحد أيَّام الرِّحلة زُرنا موقع «فيد» التاريخيِّ، الذي حظي باهتمامٍ بالغٍ من العديد من المؤرِّخِين والجغرافيِّين والرحَّالين. يقول المقدسي: «فيد مدينةٌ صغيرةٌ ذاتُ حصنَينِ، وبها حمَّامٌ وبركةٌ بأبواب حديد، وآثار لعضد الدَّولة، ويوجد بها كلُّ خير، وبها يودع الحجَّاجُ أزوادهم وهم مطمئنُونَ، وبها عيونٌ وآبارٌ وبركٌ عذبةٌ».
أمَّا ياقوت الحموي فيصفُ «فيد» بأنَّها «بُليدةٌ في نصف طريق مكَّة من الكُوفة»، ووصفها الرحَّالة المعروفُ ابن جبير بأنَّها «حصنٌ كبيرٌ يطوفُ به سورٌ عتيقُ البنيانِ، وهو معمورٌ بسكَّان الأعراب، ينتعشُونَ من الحجَّاجِ في التِّجارات، وبها آبارٌ وعيونٌ تحتَ الأرضِ».
تشيرُ المصادرُ التاريخيَّة إلى أنَّ أوَّل مَن حفرَ بئرًا في «فيد»، وأحدث الزِّراعة فيها، هو الخليفةُ الرَّاشدُ عثمان بن عفان؛ ممَّا جعلها واحةً غنَّاء يرتادها الباديةُ والرُّعاةُ، ويرتادها التَّجارُ بالبضائع، وتمرُّ عليها قوافلُ الحجَّاجِ المتوجِّهة إلى بيت الله الحرام.
ازدهرت «فيد» وتطوَّرت مع تطوُّر طريق الحجِّ الكوفيِّ (درب زُبيدة)، إذ أصبحت من أشهر منازل الطريق، بما يتوفَّر فيها من مرافقَ وخدماتِ قوافلِ الحجَّاج.
أمَّا جبلُ أم سنمان الذي تمَّت زيارته قبل العودة إلى الرِّياض، فيُعدُّ من مواقع التُّراث العالميِّ في اليونسكو، حيث يعودُ الاستيطانُ البشريُّ فيه إلى العصرِ الحجريِّ، كما وُجدت فيه بعضُ النُّقوش العربيَّة القديمة (الثموديَّة).
تحيةَ تقديرٍ وامتنانٍ إلى مُنظِّم هذه الرِّحلات الهادفة، الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري، وحرصه على توفير كلِّ مقوِّمات النَّجاح لها.