نُعَدُّ من أكثر دول العالم هدرًا للطَّعام في العالم، حيث وصل الهدر لمستويات قياسيَّة قُدِّرت بـ8 ملايين طن، بقيمة 49 مليار ريال، أي ما يوازي 13 مليار دولار، وفقًا لتقريرٍ صادر عن منظَّمة الغذاء العالميَّة «الفاو» في 2018، وهو ما يعني أنَّ معدل الهدر الآن أصبح أكبر من هذا الرقم، نظرًا لزيادة عدد السكَّان المستمر.
هدر الطَّعام بهذه الأرقام المخيفة، لن يُؤدِّي إلى ضياع 13 مليار دولار على اقتصاد البلاد فحسب، ولكنَّه مشكلة بيئيَّة وصحيَّة، حيث إنَّ إلقاء ملايين الأطنان من بقاء الطَّعام في حاويات النِّفايات يُساهم في زيادة انبعاث الغازات الضَّارة إلى الهواء، حيث أشارت إحدى الدِّراسات أنَّ هدر الطَّعام العالميِّ يُساهم في إنتاج 9.3 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، (GtCO2e)، وهو نفس إجمالي الانبعاثات المجمعة للولايات المتَّحدة، والاتحاد الأوروبي في عام واحد، خلاف أنَّ تحلُّل الطَّعام يؤدِّي إلى إنتاج غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدَّفيئة التي تساهم في تغيُّر المناخ، فوفقًا للأمم المتَّحدة فهدر الغذاء يُساهم في إنتاج 8٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدَّفيئة التي يسبِّبها الإنسان كل عام، وهو نفس ما تنتجه صناعة السِّياحة العالميَّة تقريبًا.
هدر الطَّعام يُعدُّ أيضًا مشكلةً أخلاقيَّةً، ويجب منعه قدر الإمكان، من خلال عدَّة طرق مثل: التَّسويق لحملات إعلانيَّة بخطورة ذلك من كافَّة النواحي، سواء الاقتصاديَّة أو البيئيَّة أو الصحيَّة، وخاصَّةً النَّاحية الإنسانيَّة، فهذا الحجم من الهدر يأتي في الوقت الذي يواجه فيه نحو مليار شخصٍ على مستوى العالم أزمةً كبيرةً في توفير الغذاء، ويعانون من الجوع، حيث كشفت إحصائيَّة جديدة صادرة عن موقع
«The Economist» البريطاني، عن 25 دولة من الأكثر هدرًا للغذاء على مستوى دول العالم، وشملت الإحصائيَّة، التي أجراها الموقع، 25 دولةً تمثِّل ثُلثي سكَّان العالم، و87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
مواجهة هذا الهدر لن يكون فقط، من خلال الحملات الإعلاميَّة المعنيَّة بتوعية المواطن بخطورة مثل هذه الممارسات، وإنْ كانت هذه الحملات مهمَّةً، إلَّا أنَّها ليست كافيةً لوقف حدِّ النَّزيف للموارد الغذائيَّة والماليَّة، ولذلك يجب التَّفكير والبحث عن حلول غير تقليديَّة لهذه الأزمة، لاسيَّما إنْ كانت هذه الحلول مبنيةً على دوافع اقتصاديَّة، فمن الممكن تحويل النفايات الغذائيَّة إلى أسمدة عضويَّة لزراعة النباتات، بدلًا من إرسالها إلى مكبِّ النِّفايات، وتكون سببًا إلى العديد من المشكلات الصحيَّة والبيئيَّة، فوفقًا لمجلة «Nature» عام 2023 فإنَّ تحويل مخلَّفات الطَّعام إلى سمادٍ عضويٍّ يؤدِّي إلى تقليل الانبعاثات بنسبة تصل لـ84%، مقارنة بمدافن النِّفايات.
ومن الإشكال أنَّنا أكبرُ مستوردٍ في العالم للشَّعير المستخدم في صناعة الأعلاف، بقيمة تصل لـ8 ملايين طن، بما يقارب 35% من التِّجارة العالميَّة للشَّعير بحسب إحصاءات مجلس الحبوب العالميِّ، وهذه النسبة توازي بالضَّبط نفس الحجم المُهدَر من الطَّعام، وبالتَّالي فنحن أمام فرصة استثماريَّة ذهبيَّة تتمثَّل في تحويل بقايا الطَّعام إلى أعلاف حيوانيَّة، وتوفير المليارات من الدولارات بصورة مباشرة، من خلال التوقُّف عن استيراد الأعلاف بشكلٍ كليٍّ أو جزئيٍّ، وبصورة غير مباشرة، من خلال الاستفادة من بقايا الطَّعام وتحويلها من أموال مهدرة لأموال مستثمرة.
وأخيراً وليس آخراً، فالهدف الرئيس من هذا المقال هو تقليل الهدر قدر الإمكان، والاستفادة من موارد المملكة بالشكل الأمثل، فالهدر في أي قطاع يعني وجود فرص استثمارية مهدرة، وزيادة معدل البطالة، ومنع هذا الهدر يعني توفير المزيد من الفرص الاستثمارية، وفرص العمل، بما يساهم في زيادة الناتج القومي، والمساهمة بقوة نحو التقدم المنشود.