الحمد لله أن اكتشاف مقدار جهلنا بالأشياء قد أصبح سهلاً، وأصبح تقويم وضعه متيسراً، بسبب نعمة توفُّر المعلومات.. ووجدتُ أن جهلي بموضوع البُراد يستحق وقفات تأمل كثيرة.. أولاً كُنَّا نسمع من أمهاتنا - الله يحفظهن - التحذير عندما يأتي البرد الشديد أنه «يدخل في العظام».. واكتشفتُ أن هذه المقولة مستحيلة علمياً، فالواقع أن الحرارة هي التي تخرج من أجسامنا، ولا يمكن أن تدخل البرودة بشكل طبيعي إلى داخل أجسامنا.. وكُنَّا نعتقد أنه خلال هذه الأيام عند دخول فصل الشتاء فلكياً في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر، أن الأرض ستكون في أبعد مسافة من الشمس أثناء دورانها حولها.. والواقع هو عكس ذلك، فالمسافة بين مسار كوكب الأرض والشمس هو الأقرب الآن خلال الدورة التي تستمر لمدة سنة كاملة.. والسبب هو أنه خلال فصل الشتاء يميل محور دوران الأرض وكأنها خجولة؛ بمقدار حوالى 23 درجة ونصف الدرجة، وبالتالي فيصبح كل ما هو شمال خط الاستواء بعيداً عن الشمس، وكل ما هو جنوب الخط أقرب إليها، وبالتالي، نجد أن أستراليا، وجنوب أمريكا والدول الأخرى في جنوب خط الاستواء، في عز الصيف الآن.. وتفاجأت أن الطقس البارد لا يُسبِّب نزلات البرد كما نعتقد، فالسبب الحقيقي هو نشاط أنواع فيروسات «البرد» المختلفة، وقدراتها الخبيثة على التنقُّل من شخصٍ لآخر من خلال اللمس، والطيران من المريض إلى الضحية بكل يسر. ونظراً لأن حدود درجات الحرارة تبدأ من الصفر المطلق، وهو يعادل ناقص 273 درجة مئوية، فكنتُ أحسب أن تلك «البرودة» هي الحدود للمقاييس الحرارية.. ووجدتُ أن لا وجود لمفهوم «البرودة» علمياً.. مفهوم الحرارة مثبت علمياً، بل إنه أحد أركان أهم القوانين في الطبيعة، كما جاء في الأربعة قوانين للديناميكا الحرارية، ولكن لا نستطيع أن نصف البرودة بأنها حالة انعدام الحرارة. فهي مجرد حالة وصفية.. كما يوصف الظلام أنه حالة انعدام للضوء.. ومن عجائب البرودة أن العديد من المخلوقات تواجه تحديات بسبب تجمُّد المياه في الطبيعة.. وبسبب ارتفاع كثافة الماء قبل التجمُّد مباشرة، فيتسبب ذلك في تمزُّق الأغشية والخلايا.. ولكن نعمة التدابير للمخلوقات التي تعيش في المناطق الباردة تسمح لها بالتغلب على تحديات زيادة الحجم والأضرار الناتجة عنه.. بعضها يُنتج مضادات للتجمُّد ليبقى على الماء في وضعه السائل، والبعض الآخر يضع نفسه في حالات سكون ضمن منظومة السبات الشتوي.. ومن خلال ذلك السكون؛ تتكوَّن حالة «التلاكؤ الحراري»، وهي حالة تسمح ببقاء الماء في وضعه السائل، حتى لو وصلت حرارته إلى درجات تحت الصفر.. وسبحان الخالق المدبِّر.
* أمنيـــــة:
هناك ما هو أهم من كل ما جاء أعلاه، فضلاً تخيَّل معاناة أهل غزة الأشقاء مع البرد، علماً بأن خلال كتابة هذه الكلمات تبلغ درجة الحرارة في غزة حوالى سبع درجات مئوية فقط، وهي لا تزيد كثيراً عن درجة الحرارة بداخل ثلاجة الأكل في منازلنا. فضلا تخيَّل وضع الجرحى بسبب حرب الإبادة، والذين تفوق أعدادهم الستين آلف إنسان، بل وحتى أوضاع الأصحاء الذين يواجهون البرد القارس اليوم، وفي أيام الشتاء القادمة.
أتمنى أن يلطف الله بهم، وأن يثبّتهم ويصبّرهم، وينصرهم، ويُسخِّر لهم الدفء، والخير، والأمان، والعدل.. وهو من وراء القصد.