* تقول إحدى المتابعات الكريمات: «ابني الوحيد لديه بعضُ الاضطرابات النفسيَّة، قد أكونُ مساهمةً في خلقها بضغطي المستمر عليه بأنْ يكونَ رجلًا. خوفي من مواجهة الحياة بعد وفاة والده، هو ما كان يدفعنِي لمحاولةِ بثِّ الرجولةِ في قلبِ صغيري. عندما وصل للمرحلة المتوسِّطة، بدأتُ ألاحظُ فيه حزنًا وميلًا للعُزلة والقسوة، حتَّى معي، أصبحَ يتهرَّب من المدرسة، ويقضي اليوم كاملًا بصحبةِ زملاء بعضهم أكبر منه، لجأتُ إلى خاله وأعمامه، فزاد الأمرُ سوءًا. قلبي يتمزَّق؛ لأنِّي كنتُ أريدُ أنْ أصنعَ منه شيئًا، لكنَّه يتَّجه لأنْ يكون شيئًا مناقضًا تمامًا».
* كثيرًا ما نقعُ -نحن الآباء- في أخطاء تربويَّة قاتلة؛ رغم حرصنا ونوايانا الطِّيبة، والسَّبب عدم معرفتنا بالمراحل السنيَّة وما تحتاجهُ، وإجمالًا يمكن القول إنَّ لدينا قصورًا مجتمعيًّا كبيرًا في تفهُّم وقراءة عاطفة الأبناء ومشاعرهم، وكيفيَّة التَّعامل الصَّحيح معها؛ لذا قد ينغلقُ كثير منهم على مشاعر سيِّئة (خوف، قلق، توتر، حزن، اكتئاب) لفتراتٍ طويلةٍ، وربَّما تستمرُّ طوال حياتهم؛ لأنَّهم لم يجدوا مَن يُخرجهم منها بشكلٍ صحيح، فيخرجُونَ للحياة مشوَّهِين عاطفيًّا، ناقصي النُّضج والثِّقة، وما يُعرف بالذَّكاء العاطفيِّ.
* الذَّكاءُ العاطفيُّ هو القدرةُ على فهم واستخدام وإدارة العواطف، حيث يمكن للأشخاص ذوي الذَّكاء العاطفيِّ المرتفع، التعرُّف على مشاعرهم الشخصيَّة، ومشاعر الآخرين أيضًا، واستخدامها لتوجيه التَّفكير والسلوك. والمؤسف أنَّ هذا النَّوع من الذَّكاء لا يتطوَّر من تلقاء نفسه إلَّا نادرًا، فهو بحاجةٍ إلى تدريبٍ وإرشادٍ ومتابعةٍ. عندما يُعبِّر ابنُكَ المراهقُ عن مشاعر سلبيَّة، فمن الخطأ الضغط عليه ومطالبته بكبتِها، كما كانت السيِّدة الفاضلة تفعلُ، لابُدَّ من تفهُّم مشاعر الأبناء، والتَّعبير لهم عن تقديرها، ونقاشهم بهدوءٍ حول طريقة تجاوزها، فخلق ثقافة في المنزل تُجيد التَّعامل مع المشاعر؛ يعطي للمراهقِينَ مساحةً ليشعرُوا بآدميَّتهم وإنسانيَّتهم، وعندما يساعدهم الآباءُ على التَّعامل الصَّحيح مع هذه الاضطرابات، فإنَّهم يبنُونَ جسورَ الولاء والمودَّة؛ ممَّا يسمحُ بتحقيق الوعي الذاتيِّ والثِّقة، ويُعِدُّهم للنَّجاح العاطفيِّ والاجتماعيِّ في وقت لاحق.
* في كثير من الأحيان لا يحتاجُ المراهق إلى نصائحك وحلولك، بقدر ما يحتاج إلى الشُّعور بمحبَّتك واستماعك له، وهذا يتطلَّب الدُّخول معه إلى خنادق المراهقة ودهاليزها لفهم مشاعره.. كلُّنا نودُّ أنْ نرى أبناءَنا في أفضل حالاتهم، لكنَّ هذا الهدف يحتاجُ إلى صبرٍ ووعيٍّ وثقافةٍ تربويَّةٍ من الآباء، وأنْ نكون نماذجَ جيِّدة لهم في التَّوازن والثَّبات النفسيِّ، فالذَّكاءُ العاطفيُّ لا يتعلَّق فقط بعدم الغضب، بل يعني إعطاء مساحةٍ لجميع المشاعر، ومحاولة فهمها، بدلًا من التسرُّع بانتقادها.
* إنَّ تربية طفلٍ ذكيٍّ عاطفيًّا، لا يتمُّ في يوم وليلة، بل هي عمليَّةٌ مستمرةٌ وطويلةٌ، وخلال عملي، صادفتُ الكثيرَ من الشَّباب المميَّزين في التَّواصل، والذَّكاء العاطفيِّ، والذين كانوا يمثِّلُون عناوينَ مضيئةً لبيئات أسريَّةٍ مستقرَّةٍ وناضجةٍ ومتعلِّمةٍ.