أعتقدُ أنَّ وزارة الثَّقافة، ووزارة السِّياحة، مع أمانة جدَّة وغيرها من الجهات قد نجحت في تحويل منطقة البلد في جدَّة من منطقة قديمة، وعشوائيَّة، وآيلة للسقوط، إلى مزارٍ سياحيٍّ ليس للمواطنين والمقيمين، بل لشرائح كثيرة ومتنوِّعة من السُيَّاح من حول العالم.
لقد زرتُهَا مع حفيدتِي «ماريا» عصريَّة يوم الإثنين الماضي، وراقتْ لي كثيرًا، بعد أنْ كانَ المشوارُ الذي لا يروق لي في السَّابق هو زيارة هذه المنطقة القديمة!.
وأوَّل ما لفتَ نظري هو طريقة نقل السُيَّاح من خارج المنطقة لداخلها، وكان النَّاس في السَّابق يوقِفُون سيَّاراتهم عشوائيًّا خارجها، هذا إنْ وجدوا مواقفَ خاليةً للسيَّارات، ويتسبِّبُون في حصول ازدحامات مروريَّة كبيرة، وأمَّا الآن فهناك مواقفُ فسيحةٌ خارج المنطقة، وتكفي لمئات السيَّارات دفعةً واحدةً، وينتقل السُيَّاح للدَّاخل على سيَّارات غولف رشيقة وجميلة مجَّانًا، ويقودها شبابٌ سعوديٌّ محترفٌ ومؤدَّبٌ ويجيدُونَ الحديث باللغة الإنجليزيَّة، وربَّما غيرها من اللُّغات.
وفي داخل المنطقة أبدع أصحابُ بيوتات جدَّة القديمة في تحويل بيوتهم لمنشآت سياحيَّة مثل المتاحف والمقاهي والمكتبات وغيرها؛ ممَّا تجذب السُيَّاح من حول العالم، ورأيتُ سُيَّاحًا من أمريكا الشماليَّة والجنوبيَّة، وأوروبا وآسيا، وشعرتُ بأنَّ مستقبلنا السِّياحيَّ والتُّراثيَّ مشرقٌ فيما لو حافظنا على نفس المقدار من التَّخطيط والدَّعم، وإتاحة المجال لشباب وشابَّات البلد؛ للعمل والإبداع، وإذ لم يفعلُوا ذلك في بلدهم، فأينَ يعملُون يا تُرَى؟!.
والذي أعجبني كثيرًا، هو الرُّوح الوثَّابة للمُرشدين السِّياحيِّين السعوديِّين، خصوصًا الفتيات، وكُنَّ يُؤدِّينَ عملهنَّ بحماسةٍ ونشاطٍ وإخلاصٍ، ورأيتُ واحدةً منهنَّ وهي تشرحُ لسُيَّاحٍ ترافقهم مرافق المنطقة بلغة إنجليزيَّة راقية، وكأنَّها تشرحُ لضيوف حلُّوا على بيتها الخاص، وليس على منطقة عامَّة تاريخيَّة.
والمنطقة صارت نظيفةً للغاية، ولم أرَ فيها نفاياتٍ أو ذبابًا يحومُ حولها، وحتَّى القطط المتشرِّدة كانت بحالةٍ طيِّبةٍ تجذبُ عُشَّاق القطط، ولا ينفرُونَ منها، وإنْ كانت هناك سلبيَّة، فهي عدم التزام بعض أصحاب المتاحف بمواعيد دوام فتحها في وقت العصر، الذي يُفترض أنْ يكون وقت دوام، وليس وقت راحة أو إغلاق!.
كانت عصريَّة جميلة، وأفتخرُ بجدَّة التاريخيَّة وغيرها من المناطق في ربوع المملكة.