في رحلتي الأخيرة لمدينة القاهرة، قمتُ بزيارة مكتبة «مدبولي» العريقة في ميدان طلعت حرب، بوسط المدينة التاريخي، لاختيار بعض العناوين، فلفت نظري كتاب بعنوان: «الأعمال الكاملة لثروت أباظة - المقالات الجزء الأول»؛ محتوى الكتاب عبارة عن مقالات للكاتب والرِّوائي المصري «ثروت أباظة»، الذي ينتمي لعائلة «أباظة»، وهي من أعرق عائلات مصر الذين قدَّموا عمالقة من الأدباء، على رأسهم والده الأديب «دسوقي أباظة»، وعمُّه الشاعر «عزيز أباظة»، والكاتب الكبير «فكري أباظة».
من محتوى الكتاب، اخترتُ لكم أحد المقالات بعنوان: «عظيمان»، أترككم مع ما جاء في المقال بدون إضافة أو تعليق: عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- من أعظم رجال الإسلام، قال عنه الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «لم تطلع الشمس على خير من عمر بن الخطاب».
وحين حكم، أصبح اسمه عنوانًا على العدل في أعظم صوره، وأرفع معانيه، ولا يزال اسم عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- حتَّى الآن، مضرب الأمثال في العدل، وشرف الحكم، والتنزُّه عن كلِّ ما يصيب الرِّجال العظماء.
وأمَّا عليُّ بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- فهو ابنُ عمِّ النبيِّ، وقد ربَّاه النبيُّ -عليه الصلاة والسلام-، فهو أوَّل طفلٍ في الإسلام، ولذلك فهُو لم يعبد الأصنامَ في حياته قط.
وحين تآمر أعداءُ النبيِّ عليه ليلة الهجرة إلى المدينة، نام عليُّ بن أبي طالب في فراشه؛ ليفديه بروحه، ولولا أنَّ المشركين كشفوا عن وجهه قبل أن ينزلوا بسيوفهم عليه، لقُتِل وهو في طفولته الباكرة. وقد ظلَّ عليُّ بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- من أشجع العرب وأعلمهم بلاغةً وحفظًا للقرآن.
كان عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أميرًا للمؤمنين، وكان جالسًا في أحد الأيَّام للقضاء بين الناس، وبجانبه عليُّ بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه-، وآخرون، وجاء رجل «يهوديٌّ» إلى عمر بن الخطاب، فقال له: إنِّي أشكُو إليكَ هذا الرَّجل، وأشار إلى علي بن أبي طالب -رضى الله عنه-، فربَّت عمرُ كتفَ عليٍّ وقال له: قُم يَا «أبَا الحَسن»، فاجلس إلى جانب خصْمكَ، فقامَ عليٌّ، وقد ظهرَ الامتعاضُ على وجههِ، وجلس إلى جانب خصمه، وسمع عمر القضيَّة، وحكم فيها، وانصرف خصمُ عليٍّ، وعاد عليُّ بن أبي طالب إلى مجلسه بجانب عمر بن الخطاب، فربت عمر بن الخطاب مرة أُخرى كتف علي بن أبي طالب وسأله في حب: أزعلتَ لأنني طلبت منك أن تجلس إلى جانب خصمك، فقال له علي: لا، ولكني زعلت لأنك قلت: «يا أبا الحسن»، وفي هذا النداء رفع للكلفة بينك وبيني، وتكريم لي، ولم يكن الوقت مناسباً للتكريم، وأنا خصم في قضية قد أكون فيها ظالماً، فقال عمر والدموع في عينيه: ليس ما أسمعه غريباً من أول طفل نشأ وتربى في أحضان سيد البشر.. اغفر لي خطئي يابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.