تنطلق بين الحين والآخر حملاتٌ موجَّهةٌ ضدَّ أهل الخليج العربيِّ، حُكَّامًا ومواطنِينَ، تسعى لتشويه صورة هؤلاء العرب. وتقف خلف الحملات وتُنظِّمها أجهزةٌ أجنبيَّةٌ وعربيَّةٌ، وضمنها جماعات الإسلام السياسي المجنَّدة لتخريب بلدانها، والتي أُوهِمُوا بأنَّها ستتمكَّن من الحلول محلَّ حُكَّام البلاد التي تُخرِّبها مساعيهم، وذلك بعد الخراب. وهو أمرٌ حدث في أكثر من بلد عربيٍّ، حيث تنافس الإسلامُ السياسيُّ الشيعيُّ والسُّنيُّ على الهدم، وكسب المكاسب الماديَّة الشخصيَّة.
واستغلَّت هذه الجهات أحداث السَّابع من أكتوبر في إسرائيل، والحملة الإسرائيليَّة العسكريَّة الهوجاء ضدَّ الفلسطينيِّين، للتَّشكيك في موقف العرب الخليجيِّين من القضايا القوميَّة، وعلى رأسها قضيَّة فلسطين، متجاهلين كلَّ ما قامت به دولُ الخليج من دعمٍ ماليٍّ بملايين الدُّولارات، ومعنويٍّ لصالح الإنسان الفلسطينيِّ، وكفاحها من أجل تحقيق الكيان الذي يحلم الفلسطينيُّون به، ومتناسِينَ -عمدًا- أنَّ القممَ العربيَّة والإسلاميَّة، بل والدَّوليَّة تبنَّت قراراتٍ بإعطاء الفلسطينيِّ حقوقه، صاغتها عقول وجهود سعوديَّة، إذ تُطالب هذه الجهات برفع رايات التحدِّي، وإغراق كلِّ العرب في بحر من الدِّماء والفوضى، لتتحقَّق أماني المخرِّبين والطَّامعين في تحقيق أوهامهم الخاصَّة، وتحقيق ما طالب به الأمريكيُّون بعد تخريبهم للعراق من إشاعة الفوضى عربيًّا، لخلق الفرص للخراب القادم، الذي يُقسِّم العربَ ويُضعفهم، ويجعلهم مجرَّد أدواتٍ بيد الشَّركات الغربيَّة الكُبْرى الطَّامعة في ثروات الخليج.
ومن المثير للتَّساؤل مدى عقلانيَّة مَن يُموِّلُون قنوات تلفزيونيَّة تهاجم الخليج من داخله، وبأموالٍ خليجيَّةٍ، تُبشِّر بأحلام الإسلام السياسيِّ في تخريب كلِّ جميل في الخليج، وغيره من عالم العرب، ولمصلحة الأجنبيِّ -المسلم منه وغير المسلم- الذي ينظرُ إلى الخليج على أنَّه واحة استقرار غير مرغوب فيها.
المواطن في الخليج العربيِّ من أكثر المواطنين في العالم رِضًا عن أداء دولته وحُكَّامه، وإنْ كانت هناك استثناءات يعتقدُ البعضُ أنَّه بالإمكان أنْ يحكم ملائكةٌ دولهم، فيسقطُونَ في فخِّ التَّشكيك الذي تقوده وسائل إعلام عربيَّة وغربيَّة. أمَّا اتِّهامات الفساد التي كان يُروِّج لها الخصومُ، فقد توقَّفت بعد أنْ أصبح الأمير محمد بن سلمان، وليًّا لعهد المملكة، ورئيسًا لوزرائها، لما اتَّخذه من إجراءات لقمع المفسدين، بالإضافة إلى ما حقَّقه للسعوديَّة من مكانة متقدِّمة اقتصاديًّا وعلميًّا وتقنيًّا، ودفعه إلى مشروعات جديدة تُحوِّل المجتمع إلى مجتمعٍ متقدِّمٍ حديثٍ.. وأصبح محمد بن سلمان رمزًا للإصلاح والتقدُّم في كلِّ أنحاء العالم العربيِّ، ودُول أُخْرى تُعاني من التخلُّف، وإساءة إدارة اقتصاداتها.
تُتاح للخليجيِّ الفرصة ليتعلَّم في أحدث المدارس والمعاهد والجامعات، وللعمل في أفضل الشَّركات، والفوز بالعديد من المزايا الماليَّة والصحيَّة والعلميَّة برعاية حكوميَّة، وهو راضٍ عن وطنه، ولا يسعى للهجرةِ إلى خارجه، بل تفتح دول الخليج العربي أبوابها لكلِّ مَن أراد أنْ يبني نفسه بالعمل الجاد، والمساهمة في التطوُّر الذي تعيشه دول الخليج العربيِّ.
لا يحكم الخليج سوى عائلات حاكمة، تجتهد في أن تجعل بلدانها نموذجًا للتقدُّم والرَّخاء، وأنْ تحقق للمواطن فيها الرَّفاهية وفُرص العيش الكريم. وقد يتذكَّر البعضُ ما كان من رخاء وأمن في لبنان، جاذبًا للمستثمر والسَّائح، حتَّى أُصيب بداء الإسلامِ السياسيِّ، وتمكَّن منه الدَّاء حتَّى يكاد أنْ يقتله، وندعو أنْ لا يكون اليوم جزءًا من تسوية يرغب فيها دول الغرب؛ لإعادة بناء نظامٍ جديدٍ للشَّرق الأوسط، يفقد فيه لبنان انتماءه العربيَّ.
العرب الخليجيون يواجهون تحديات خطيرة، ليس لسوء أفعالهم، بل لأنهم يحققون رخاءً لأوطانهم لم يتمكن غيرهم من تحقيقه، لذا عليهم أن يتسلحوا بالوعى الكافي، بعدم الوقوع في حملات التضليل والتشكيك القائمة، والتي من المرجح أن من يديرها يسعى لتعميم (الفوضى الخلاقة) التي سقطت فيها العراق ولبنان، واليمن والسودان وليبيا، ودول عربية أخرى. فعسى أن يواجه الخليجيون هذه الحملات التشكيكية بوعي قوي وإرادة حازمة.