تأمَّل في النعم التي تستخدمها يوميًّا بدون أنْ تُفكِّر في روائعها.. وتلك التي لا تُفكِّر في تفاصيلها.. ومن الصَّعب أنْ تجد ما يتغلَّب على المرايات في أسرارها وخباياها.. نستخدمها يوميًّا في بداية النَّهار، فهي نافذةٌ مهمةٌ لأحوالنا يوميًّا، وأكثر من ذلك بكثير، فبدون مبالغة، كلُّنا عرفنا شكلنا؛ بسبب المرايات في حياتنا منذُ الصِّغر.. ولكنَّ فوائدها لا تقتصرُ على انعكاس صورنا فحسب، ولا على احتياجات التَّجميل والتَّصفيف، هناك استخدامات في التَّصوير الفوتوغرافيِّ والسينمائيِّ، والطبيِّ، والفلكيِّ، والملاحيِّ، وفي تطبيقات الليزر، والتَّجارب العلميَّة المختلفة في عالم الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، وفي توليد الطَّاقة الشمسيَّة، وفي العمارة الداخليَّة، وفي الزِّينة، وفي تقنيات التلفزيونات الحديثة، وفي عالم الفنِّ، وفي عشرات الاستخدامات التي لا نشعرُ بها.. إحدى أغرب تلك الاستخدامات كانت في مقصورة قيادة البوينج 747 الجامبو القديمة.. كانت هناك مرآةٌ صغيرةٌ جدًّا مثبَّتة أمام قبطان الطَّائرة، لتسمح له برؤية أحد المؤشِّرات على الجانب الأيمن المحجوب عن بصره.. وبالرغم من حجمها الصغير، وكونها مرآةً عاديَّةً، إلَّا أنَّ سعرها كان مرتفعًا جدًّا.. ومن الطرائف في عالم الطَّيران أيضًا، أنَّ طائرة الدوجلاس، «الإم دي 90»، التي خدمت في أسطول الخطوط الجويَّة العربيَّة السعوديَّة منذ حوالى عشرين سنةً، والشهيرة باسم «الماسورة»، كانت تحتوى على مرأةٍ أمام الطَّيارين، لتعكس البوصلة التي كانت مثبَّتة خلفهم.. وكانت من أغرب التَّصاميم في ذلك الطِّراز، وطرازات أُخْرى من شركة «دوجلاس»، وتعكس فلسفتها في إبعاد البوصلة عن الأجهزة الإلكترونيَّة.
وفي عالم الطَّائرات الحربيَّة، ستجد المرايات في أغرب الأماكن، ففي مقاتلة الـ»إف 15» وغيرها من المقاتلات الحديثة، تجدها أمام الطَّيار، بهدف توفير زوايا رؤية أوسع لدعم القتال الجويِّ، والطَّيران التَّشكيلي، ولتقنين وضعيَّة المقاتلة أثناء التزوُّد بالوقود جوًّا.
ومن الاستخدامات الغريبة للمرايات، هي في اختبارات الذكاء للكائنات المختلفة.. معظم المخلوقات لا تستطيع أنْ تُفسِّر وتُدرك انعكاسات صورتها في المرايات؛ لأنَّها تحسب أنَّ الانعكاس يُمثِّل صورة كائنٍ آخرَ.. وهناك استثناءات قليلة لبعض الكائنات الذَّكيَّة جدًّا، كبعض أنواع القرود، والدَّلافين، والحيتان، والطيور.. وبمناسبة الحديث عن تفسير الانعكاسات، فلابدَّ لنا من وقفة تأمُّل عن آليَّة عمل المرايات.. فضلًا لاحظ أنَّ المرايا تبدو وكأنَّها تعكس اليمين واليسار، ولذا فلو وضعت المقال أمام المراية، فسيظهر لك بهذا الشكل «اي ا مر».. ولكنَّها لن تعكس الصورة من أعلاها إلى أسفلها.. يعني يبدو أنَّها تعكس «يمين ويسار»، وليس «فوق وتحت».. ولكنَّ السرَّ الحقيقيَّ هي أنَّها تعكس الدَّاخل والخارج.. ما يظهر أمام سطحها؛ ينعكس خلف ذلك السطح، ولذا فنجد التحوُّل المحيِّر.. وعجائب المرايات لا تتوقَّف هنا، ففي عالم السِّحر تستخدم المرايات استخدامات كثيرة؛ بسبب تكوينها لبعض الخدع البصريَّة المتعلِّقة بظروف الرؤية المنخفضة، ومنها خفض الإضاءة، واستخدام الدخان أمامها، لتظهر إيحاءات وصور غير مكتملة، فتبدو وكأنَّها من عالمٍ آخرَ.
* أمنيــــــة:
التجاوزاتُ الإنسانيَّةُ في غزَّة اليوم؛ تُضاهي مراياتِ الإنسانيَّةِ.. كلُّ قتيل، وكلُّ جريح، وكلُّ حجر يسقط، يعكس وضع البشريَّة اليوم، وهي محسوبة علينا جميعًا، وكلُّها تدوَّن وتنعكس في ذاكرة التَّاريخ. أتمنَّى أنْ يُخفِّفَ اللهُ على أهلِ غزَّة هذه الكوارث، وأن يُجبر جروحهم، ويرفع عنهم الظُّلمَ والأَذَى، وهو من وراء القصد.