يقول أحدهم: قبل عدة سنوات، كنت مدير إدارة بإحدى الشركات الأهلية، مع ذلك كنت مقلاً جداً في زيارة مكتب المدير العام، مع أنه مديري المباشر، لكنني كنت متمسكاً بمبدأ: «اصعد سلم المجد بعرقك درجة درجة»، بالمقابل كنت أرى موظفاً عادياً يتجاوز مديره، ويذهب يومياً العاشرة صباحاً لمكتب سعادته، يرحب بقدومه ويعرض خدماته، كانت علاوته وترقيته مؤكدة وعلاوة غيره شبه مستحيلة، وبرحلة عمل خارجية، تفاجأت بوجوده، فسألته عن رأيه بمبدأي وعن سر زياداته، فأجاب بعفوية لا تخلو من الرمزية: «أنا ما أحب أصعد السلم، أفضل الأصنصير أسرع وأريح»!!
في ظل غلاء المعيشة، وزيادة الأعباء الأسرية، وغياب الرقابة التفتيشية، يضع الموظف الأهلي بداية كل سنة مالية، يده على قلبه، بانتظار نتائج زيادة مرتبه، التي اعتاد الحرمان منها لأسباب غير وجيهة، فيما تتحصل عليها نفس الأسماء المتنفذة، ما يضعه أمام أمرين أحلاهما مر: الإذعان أو الاستقالة!!
تعدّ العلاوة والترقية لموظفي الدولة، من أهم المحفزات التي تعزز الثقة والانتماء، لذلك ضمنتها أنظمة الخدمة المدنية، وفق (سلم الرواتب) لكافة الموظفين دون محسوبية أو انتقائية، فيما تعد العلاوة والترقية لموظفي القطاع الخاص، من أهم المثبطات التي تورث الغبنة والضغينة، لأنها لا تحتكم لضوابط نظامية، أو لحجم الأداء والإنتاجية، وإنما لأهواء شخصية، ومدى رضا الإدارة المعنية عن الموظف ومدى انسجامها وتقبلها لشخصيته!!
المشكلة الأبدية، لضبابية العلاوة والترقية في القطاع الخاص، لا تعود لعدم وجود نظام كما يشاع، بل هناك نظام يتمثل بلائحة تنظيم العمل، التي تؤكد على أنه يجوز للمنشأة منح العاملين علاوات سنوية، تحدد نسبتها على ضوء مركزها المالي، كما تؤكد على ضرورة وضع سلماً وظيفياً تحدد فيه عدد ومسميات الوظائف -وفقًا لما جاء في دليل التصنيف والتوصيف المهني السعودي- ودرجة كل وظيفة، وشروط شغلها، وبداية أجرها، وضوابط ترقياتها.
المشكلة الأبدية، لضبابية العلاوة والترقية في القطاع الخاص، هو ضعف الرقابة وعدم إلزام المنشآت التجارية بتنظيم سلم رواتب، لذلك، حين يعلن عن جمع تقارير الأداء ورفع أسماء المرشحين للزيادة، تتوارد إلى ذهنك أسماء لامعة تعد أنموذجاً للانتظام والعمل والابتكار والإنجاز والمشاركة الفعالة، وما أن تصدر قرارات الزيادة، حتى تتفاجأ بأسماء مغايرة لم تخطر على بالك، أسماء كان أكبر همها: نقل الكلام، المحسوبية، الشللية، الغيرة المهنية!!
لقد خلق انعدام (سلم الرواتب) في القطاع الخاص، الطبقية الوظيفية، فهناك طبقة مخملية مرفهة رواتبها خيالية، وطبقة برجوازية نرجسية تتحكم بنفوذ ومفاصل الشركة، وطبقة عمالية كادحة مهمشة، رغم جهودها وإنتاجيتها العالية، جمدت رواتبها، حتى أصبح ما يتقاضونه لا يوازي ٥٠% مما يستحقونه!!
وأخيراً، نعود لسارد قصتناً، قائلاً؛ ترقى ذلك الوصولي المتنفع حتى أصبح مديراً إدارياً، ومع أنه لا أحد يجبر الشركة الأهلية على وضع سلم رواتب، إلا أنه نجح في خلق ماهو أسرع وأريح، حيث نظم وحلفاؤه (اصنصير رواتب) يحتفظون بمفتاحه، لا تزيد حمولته عن خمسة أشخاص (يتكررون كل سنة)، حتى تضاعفت رواتبهم وعلت مراتبهم، فيما لا يزال بقية الموظفين المهمشين بالأدوار السفلية، ينتظرون إنشاء (سلم رواتب) ولو خشبي، يصعدون من خلاله ليروا الحياة!!
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
