أعادنِي الزِّلزالُ الذي حصل في اليابان مؤخَّرًا لبعض ذكرياتِي فيها، إبَّان مرحلة العمل الهندسيِّ، وقد زرتُها قبل أكثر من ١٥ سنةً مع زملاء عمل؛ لمعاينة مصانع حديد أنابيب خطوط المياه العملاقة، قبل التَّعاقد مع أحدها لتنفيذ مشروعات المؤسَّسة العامَّة لتحلية المياه المالحة.
واليابان أصلًا تتعرَّض للكثير من الزَّلازل طيلة العام، واليابانيُّونَ تعوَّدُوا على ذلك، وبنُوا مُدنهم بطرقٍ هندسيَّةٍ مُبتكرةٍ وبديعةٍ؛ لتفادي الزَّلازل، أو -على الأقل- لتخفيف حدَّتها وقدرتَها التدميريَّة، واستعان العالمُ بالتَّقنية اليابانيَّة بما في ذلك أمريكا، التي توجد فيها ولاية كاليفورنيا المشهورة بالتعرُّض للزَّلازل، رغم التطوُّر الأمريكيِّ الهائلِ.
وخلال زيارتنا للمصانع، وعندما حان وقتُ العَشاء دعانَا مالكُو المصانع للذهاب لمطعمٍ يقعُ في أعلى دورٍ في بُرجٍ شاهقِ الارتفاع، في قلب العاصمة طوكيو، وكان مطعمًا بنكهةٍ يابانيَّة خالصةٍ في كلِّ شيءٍ، حتَّى في جلسته اليابانيَّة المعروفة بالطَّاولة الدَّائريَّة المنخفضة؛ ممَّا يجلس النَّاس حولها جلسةَ القُرفصاء العربيَّة، ويدورُ فوقها سطحٌ زجاجيٌّ لتمرير أنواع الطَّعام اليابانيِّ لكلِّ الجالسين، وحينذاك فقط تعرَّفتُ على السوشيِّ اليابانيِّ لأوَّل مرَّة في حياتِي.
كُنَّا قد رأينا ونحنُ في الطَّريق للمطعم عدَّة شُهب خاطفة في السَّماء، ولا أعلمُ إنْ كانت هناك علاقة بينها وبين الزَّلازل، وما حصل بالضَّبط هو أنَّه بعد العَشاء شعرنَا جميعًا بهزَّةٍ خفيفةٍ للغاية، ولم تتناثر محتويات المطعم، واستمرَّت بضعَ ثوانٍ، ورأينا اليابانيِّين وهم يبتسمُونَ قائلِين: إنَّه زلزالٌ خفيفٌ للغايةِ، يكاد يحصل يوميًّا، ودرجته على مقياس ريختر لا تكاد تُذكر، وحتَّى أنَّنا استخدمنا المصعد، وليس السَّلالم للنُّزول، حيثُ لم تكنْ هناك حاجة لتطبيق معايير السَّلامة الصَّارمة.
والزَّلازلُ سوف تزدادُ مع الزَّمن، وليس في اليابان فقط، بل في كلِّ العالم، بما في ذلك منطقتُنا العربيَّة، وهذا من أشراطِ السَّاعة، ولكن هذا لا يعني عدم اتِّخاذ الإجراءات الوقائيَّة، خصوصًا في أنظمةِ وطُرق البناء، والزَّلازلُ من أمر الله، واللهُ يحبُّ أنْ يرى أسبابًا من عباده يتعاملُونَ بها بحرصٍ مع كلِّ الظَّواهر، مثل حرارة الأجواء، والأمطار، والسُّيول، والرِّيح، والبراكين، والزَّلازل، وغيرها، ويا أمان العالمين.