المملكةُ لها باعٌ طويلٌ في ممارسة القوَّة النَّاعمة. وقد حباها اللهُ بالكثير من مقوِّمات هذه القوَّة؛ ممَّا لا يملكه غيرُها من الدُّول، وتتوافر لديها من عناصرها ما تنفرد به دونَ غيرها من دُول العالمِ أجمع.
فهي تعتمدُ في سياستها الداخليَّة والخارجيَّة على «القوَّة النَّاعمة»، وتمارسها بنجاحٍ تامٍّ بسنواتٍ قبل ظهور مصطلح «القوَّة النَّاعمة» في نهاية التسعينيَّات الميلاديَّة على يد عرَّاب القوَّة النَّاعمة العميد وأستاذ العلوم السياسيَّة في جامعة «هارفرد» (جوزيف ناي)، ولها اجتهاداتٌ متعددةٌ، ومبادراتٌ كثيرةٌ، وتجاربُ رائدةٌ في هذا المجال الحيويِّ.
يهدفُ هذا المقال إلى تسليط الضوء على عناصر القوَّة النَّاعمة التي تمتلكها المملكةُ العربيَّة السعوديَّة ورصدها، من واقع سياساتها منذُ نشأتها على يد المؤسِّس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في الدَّاخل والخارج، وما حظيت به من إشاداتٍ، والتي كشفت النِّقاب عن وجود مكامنَ كبيرةٍ وكثيرةٍ -بفضل الله- للقوَّة النَّاعمة لدى بلادنا الحبيبة؛ ممَّا يتطلَّب تسليط الضُّوء عليها وإبرازها، والتخطيط لاستثمارها على الوجه الأكمل؛ لتعزيز مصالح المملكة، وخدمة قضاياها الإستراتيجيَّة، وتأكيد مكانتها الدوليَّة، وريادتها في خدمة الإسلام والمسلمين، ورعاية مصالحهم، مع الاستفادة في هذا المجال من تجارب الدُّول الأُخْرى في توسعة آفاق ونطاق قوَّتها النَّاعمة.
ولا شك في أنَّ موضوع استعمال «القوة الناعمة» في العلاقات الدولية كإحدى الوسائل في جذب وتحقيق الأهداف، دون إكراه أو استخدام القوة الصلبة كوسيلة للإقناع، هو موضوع حيوي لا يهم المملكة العربية السعودية وحدها، بل ويحظى باهتمام كل بلاد العالم.
لقد أصبحَ الاقتصادُ السعوديُّ يمثِّل إحدى الرَّافعات الكُبْرى للاقتصاد العالميِّ، وتتمتَّع المملكةُ باعتراف المجتمعِ الدوليِّ بنفوذها العالميِّ كقوَّةٍ اقتصاديَّة، وبنفوذها كقوَّةٍ سياسيَّةٍ، وبنفوذها في العالم الإسلاميِّ كقوَّةٍ عقائديَّةٍ، ووجهةٍ سياحيَّةٍ، من واقع إسهامات المملكة في التَّنمية المحليَّةن والتَّعاون الدَّوليِّ في شتَّى المجالات الاقتصاديَّة، والمساعدات الإنمائيَّة، ومساهمتها الفاعلة في المنظَّمات الاقتصاديَّة الإقليميَّة والدوليَّة، وعضويَّتها في المجالس التنفيذيَّة لصندوق النَّقد الدَّوليِّ، والبنك الدوليِّ، إضافة إلى عضويَّتها في مجموعة العشرين (20 G) أكبر الاقتصادات في عالم اليوم؛ ممَّا يتطلَّب استثمار هذه الثَّروة الهائلة من عناصر القوَّة النَّاعمة الكامنة، والتي تخوِّل المملكة لمركز الصدارة على الصعيد الدوليِّ، خاصَّةً وأنَّ معايير القوَّة على السَّاحة الدوليَّة تحوَّلت في الآونةِ الأخيرةِ من النَّمط القديم القائم على التفوُّق في القوَّة الحربيَّة عُدَّةً وعتادًا، إلى نمط جديد قائم على دعائم القوَّة النَّاعمة، التي تؤهِّل الدَّولة للتمتُّع بنفوذ دوليٍّ كبير، بناءً على قدراتها الاقتصاديَّة والدبلوماسيَّة، ومنزلتها الثَّقافيَّة، ومكانتها العالميَّة، وموقعها الجغرافيِّ.
وفي إطار رحلة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين -حفظهما الله- نحو المستقبل، حرصت على توظيف قوَّتها النَّاعمة في عدَّة مبادرات تنمويَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة مُستدامة، يُنتظر أنْ يستفيدَ منها العديدُ من الدُّول على المستويين المتوسط والطويل.. حفظَ اللهُ بلادَنَا مِن كلِّ سُوءٍ ومكرُوهٍ.