يحلو لوسائل إعلام صينيَّة أنْ تتحدَّث عن منطقة الشَّرق الأوسط بصيغة: (الغرب الأوسط)؛ ممَّا يعكسُ منظورًا مختلفًا عن المنظور الأوروبيِّ والأمريكيِّ، الذي يُسمِّي منطقتنا (الشَّرق الأوسط).. ويتزايد الاهتمامُ الصينيُّ بعالمنا مع نموِّ التِّجارة البينيَّة، وخاصَّةً البتروليَّة مع دُول الخليج.
ولا شكَّ أنَّ هذا الاهتمام مبنيٌّ على عدَّة مصالح مشتركة فيما بين العرب والصِّين، وخلال تعرُّض الملاحة في خليج عدن، وما حواليها للقرصنة الصُّوماليَّة، شاركت بكين ببوارج حربيَّة أرسلتها إلى المنطقة؛ لمحاولة إيقاف أعمال القرصنة.
إلَّا أنَّ أمريكا فضَّلت عدم مشاركة الصِّين في عمليَّتها الأخيرة؛ بغرض حماية التِّجارة العالميَّة في البحر الأحمر، رغمًا عن أنَّ للصِّين مصالحَ تجاريَّة هامَّة تستخدم البحر الأحمر في طريقها إلى أوروبا ودُول على سواحل البحر الأحمر.
كما أنَّ لها قاعدةً عسكريَّةً (هي الوحيدة حتَّى الآن خارج الصِّين) في ميناء جيبوتي، بالبحر الأحمر. وأثار استغراب الصِّينيِّين أنَّ أمريكا لم تطلب منهم المشاركة في حماية السُّفن التِّجاريَّة من أعمال القرصنة الحوثيَّة في البحر الأحمر.
أزمة العدوان الإسرائيليِّ الحاليِّ على غزَّة وباقي فلسطين، تجعل العربَ يشعرُونَ بالحاجة إلى نظرةٍ غير غربيَّةٍ وأكثر حيادًا من النَّظرة الغربيَّة بقيادة أمريكا، التي ترى استمرارَ حرب الإبادة القائمة مبرَّرة، وتمنع نفسَهَا من التدخُّل بشكلٍ يؤدِّي إلى وقفها، وإنقاذ الفلسطينيِّين ممَّا يتعرَّضُون له، خاصَّةً وأنَّ الأمم المتَّحدة التي أُنشئت بعد نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية؛ لكي تكون مؤسَّسةً عالميَّةً تحافظ على السَّلام بشرعيَّة دوليَّة تُتيح لها التدخُّل، أصبحت ضعيفةً، ولا يبالي الأقوياءُ (الذين لهم حقُّ الفيتو على قراراتها) بما يصدر عنها، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل، التي تعتبر أمريكا جزءًا من أدواتها لتنفيذ ما تشاء حيثما تشاء، وتتجاهل القرارات الأمميَّة.
في هذه الأثناء تقوم الصِّينُ بشكلٍ يوميٍّ عبر مشروعها، الطَّريق والحرير، بتغيير الخريطة الاقتصاديَّة لكثير من مناطق العالم، خاصَّةً إفريقيا، التي تُعزِّز روسيا وجودها العسكريَّ فيها، بما في ذلك شراكات عسكريَّة مع عددٍ من دُول إفريقيا، مثل: الكاميرون، وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.
الحكمة الصينية في التوفيق بين السعودية وإيران، باتفاق تم توقيعه في بكين، يدل على أن الصين قادمة إلى المنطقة؛ لإحلال السلام والأمن فيها.
ويرحب قادة دول المنطقة بالدور الصيني، متطلعين إلى توسعه ليشمل قضايا هامة أخرى تعاني منها المنطقة، أولها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يتطلب أيضاً وفاق توحيد الصف فيما بين حماس في غزة، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
إضافةً إلى ما تعانيه المنطقة من تمزُّق اللُّحمة العربيَّة في ليبيا والسُّودان والصُّومال، وعددٍ آخرَ من أوطان العرب، الذي يسعى الغربُ إلى استمرارِ تمزيقها، ويُشجِّع فرقاءَ الخلافِ على مواصلة خلافاتِهم سرًّا وعلنًا. في حين أنَّه لم يتردَّد في الضَّغط على السُّودان حين أراد أنْ ينفصل جنوب السودان عنه، أو الهجوم عسكريًّا على ليبيا عندما رغب التخلُّص من القذافي ونظامه.
النِّظامُ العالميُّ يُعاد تشكيله، إلَّا أنَّه عوضًا عن أنَّ أوروبا وأمريكا اللذين كانا قد ساهما بشكلٍ رئيسٍ في بناء النِّظام العالميِّ، السياسيِّ والاقتصاديِّ، وبناء المؤسَّسات المتعلِّقة به، مثل الأمم المتَّحدة، والبنك الدولي، وصندوق النَّقد، بعد الحرب العالميَّة الثَّانية، فإنَّ إعادة التَّشكيل -اليوم- تُساهم فيه الصِّينُ بشكلٍ كبيرٍ، في سباق ومنافسة في المجال الاقتصاديِّ بشكلٍ رئيسٍ مع أمريكا.
وتشعر كثيرٌ من الشُّعوب بالارتياح لوجود طرفٍ جديدٍ على المسرح الدوليِّ بمنظور متطوِّر لدُول العالم الثَّالث، التي تسعى للانطلاق إلى عالم أكثر تقبُّلًا لها. وهو ما يمكن أنْ يتحقَّق في ظلِّ المنافسة الأمريكيَّة - الصِّينيَّة. وأنْ تقوم الصِّينُ بمساعدة العرب؛ لإصلاح ما تمَّ تفكيكه من اللُّحمة العربيَّة في دُول الصِّراع، مثل: ليبيا، والسُّودان.