أصدرت هيئةُ الخبراء لائحةَ المحافظةِ على الذَّوق العام بتاريخ 4/ 8/ 1440هـ، بقرار مجلس الوزراء رقم 444، وذلك لأنَّنا في وطن يُراعي القيم الأخلاقيَّة والسلوكيَّة في التَّعاملات العامَّة، وهو ما نصَّت عليه المادَّةُ الثَّالثة من اللَّائحة: «يجبُ على كلِّ مَن يكونُ في مكانٍ عامٍّ، احترامُ القيمِ والعاداتِ والتَّقاليدِ والثَّقافةِ السَّائدةِ في المملكةِ». كما أكَّدته المادَّة الرَّابعة: والتي تنصُّ: «لا يجوزُ الظُّهورُ في مكانٍ عامٍّ بزيٍّ، أو لباسٍ غيرِ محتشمٍ، أو ارتداءُ زيٍّ أو لباسٍ يحملُ صورًا أو أشكالًا أو علاماتٍ أو عباراتٍ تُسيءُ إلى الذَّوقِ العامِّ». والمادَّة السَّادسة: «لا يُسمحُ في الأماكنِ العامَّةِ بأيِّ قولٍ أو فعلٍ فيه أذى لمرتادِيهَا، أو الإضرار بِهم». بل صدرت عقوباتٌ ماليَّةٌ ضدَّ كلِّ مخالفةٍ من مخالفاتِ الذَّوق، وتدرَّجت حسب الأهميَّة؛ ليصل بعضُها إلى (3000 ريال)، وتهدف الدَّولةُ من ذلك إلى حماية الذَّوق العامِّ؛ وأُوكِل لوزارة الداخليَّة ورجالِ الأمنِ رصدُ المخالفاتِ، وضبط أصحابها وتسليمهم للعدالة.
ولأنَّنا في وطنٍ يُراعي قادتُه؛ قِيَمَ وأخلاقَ المجتمعِ، فقد ظهرت مبادرةٌ رائعةٌ وهي: (الجمعيَّة السعوديَّة للذَّوق العامِّ) بتاريخ 20/ 1/ 1442هـ، والرَّئيس الفخري للجمعيَّة هو صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقيَّة، بل تمَّ تشكيل المجلس الفخريِّ من قامات الوطن، وهناك مجلس الإدارة الذي يضمُّ أيضًا نُخبًا وطنيَّةً، ويرأس مجلسها المهندس محمد بن خالد الدبل. وكانت رؤيتهم: «سنجعلُ الذَّوقَ العامَّ منهجَ حياةٍ لمجتمعنا في سلوكيَّاتِهِ وتعاملاتِهِ».. وأهم أهدافهم:
- تعزيز القيم الإسلاميَّة والمعايير الاجتماعيَّة السعوديَّة في مناهج الذَّوق العامِّ كأسلوبِ حياةٍ.
- تنمية الممارسات السلوكيَّة المعزِّزة للذَّوق في البيئة المجتمعيَّة.
- المساهمة في بناء الشخصيَّة السعوديَّة، التي تتبنَّى قِيَم الذَّوق العامِّ والمواطنةِ.
وحقيقةً، كم نشعرُ بالفخر لوجود مثل هذه الجمعيَّة، بل نحن فعلًا بحاجة لها، بعد أنْ أصبح مشاهيرُ الغفلةِ في مواقع التَّواصل هم قدوة لأبنائنا، وانسلخ أكثرُ أبناء الجيل عن القيم الأخلاقيَّة، وأصبحوا يمارسُونَ سلوكيَّاتٍ خاطئةً.. هذا فضلًا عن تراجع دور المدرسة في التَّربية بصورةٍ كبيرةٍ.
وها هي الجمعيَّة السعوديَّة للذَّوق العامِّ، تُدشِّن مبادرة: (وطن الذَّوقِ) في 31/ 10/ 2022م، وتضعُ أُطرًا أخلاقيَّةً واجتماعيَّةً، ونشر ثقافة الذَّوق العامِّ في النَّقل والطُّرق، والأماكن العامَّة، والأُسرة، وفي التَّعليم، والعلاقات العامَّة، وفي وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وبيئات العمل والرِّياضة، والمساجدِ. وتحت منظومةٍ من القيم هي أساسيَّات الذَّوق وهي: القدوة، التَّقدير، المواطنة، المسؤوليَّة، والإحسان.
وقد اعتبرت الجمعية شعار: (الذوق العام.. أسلوب حياة ونهج وطن)؛ للسير عليه في برامجها ومبادراتها وأنشطتها، وتنوعت المبادرات، ومنها مثلا: (برنامج رياضتنا ذوق)، وتهدف إلى توجيه اللاعبين في الملعب للذوق العام في التعامل مع الملعب والخصم والجماهير، ونتج عن هذه المبادرة -بعد تطبيقها- أن قامت وزارة البلدية القطرية بتوجيه رسالة شكر لجمهور منتخب بلادنا في المونديال القطري؛ لمحافظتهم على نظافة المدرجات.
وهناك مبادرةُ: (ذوقيَّات وافد)، وهي توجيهٌ جميلٌ للوافدين؛ لإحداث التَّقارب والتَّفاهم والانسجام المجتمعيِّ بينهم وبين المواطنين، ومشاركة جمعيَّة الدَّعوة بالجبيل في ترجمة خطبة الجمعة لهم، وبعدَّة لُغات، حول السلوكيَّات والآداب والذوقيَّات العامَّة.
وهناك مبادرةُ: (القيادة بذوقٍ)، وذلك بالشَّراكة مع مرور المنطقة الشرقيَّة؛ لتعزيز ثقافة احترام الطَّريق من قائدي المركبات، واتِّباع إشارات وإرشادات المرور، واحترام سلامة المشاة، وإعطائهم حقَّ المرور، وهي -للأسف- ثقافةٌ ضئيلةٌ في مجتمعنا، فبالرغم من وجود خطوط بيضاء، ولكنَّ قائدي المركبات لا يحترمُونَ المشاةَ في أولويَّة السَّير، وهذه في دول العالم الأوَّل تُعتبر مخالفةً للطريق، خاصَّةً بوجود كاميرات ترصد سلوكَ قائدي المركبات. وهناك (ذوقيَّة الحدائقِ والمنتزَّهات)، التي تهدف إلى نشر وتعزيز ثقافة واحترام الحدائق والممتلكات العامَّة، ووُضِعَت تحت عنوان: (ذوقكَ أمانةٌ). فتتحوَّل الأفكار التوعويَّة إلى قِيَم، وأنْ تكون أمانة عند الفرد. بل عملت الجمعيَّة على عقد شراكات متنوِّعة تدعمُ هذه المبادرات، من مؤسَّسات حكوميَّة وخاصَّة، مثل: سفراء الذَّوق للقطاع الصحيِّ، وأُخْرَى لقطاع التَّعليم.
كما تمَّ إصدار كتيِّب: (ذوقيَّات التَّعامل مع العملاءِ)، والذي يسعى إلى تعزيز نجاح تجربة التَّعامل مع المُستفيدين من الخدمات الحكوميَّة والخاصَّة. وهناك البرامج المستقبليَّة: ذوقيَّات السِّياحة والحجِّ والعُمرة، وذوقيَّات المقاهِي والمطاعم.
هذه الجمعيَّة وبرامجها، ذكَّرتني ببرنامج: (كيفَ نكونُ قدوةً؟)، والذي كان برعاية صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكَّة المكرَّمة خالد الفيصل، والذي طُبِّق لعدَّة سنوات في المنطقة، وأسفر عن نتائج تدعم القيمَ الأخلاقيَّة السَّامية في شتَّى المجالات. وببرنامج: (خير أمة)، الذي كان برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنوَّرة السَّابق، ونتمنَّى استمرار مثل هذه البرامج؛ لدعم الذَّوقِ والأخلاقِ في عالم أصبح يضجُّ بالفوضى القيميَّة.
كلُّ الشُّكر والتَّقدير للجمعيَّة السعوديَّة للذَّوق العامِّ، والقائمين عليها؛ لفتح منصَّاتها للعامَّة للمشاركة، وتطبيق معيار كلنا ذوق.