قبل شهورٍ كتبْتُ مقالًا شكرْتُ فيه وزارةَ الداخليَّة على هاتفها الأمنيِّ ٩١١، الذي يقدِّم للمواطنِينَ والمقيمِينَ خدماتٍ أمنيَّةً وغيرَ أمنيَّةٍ، كثيرةٍ ونوعيَّةٍ؛ ممَّا لا تجدُ مثلها في دُول عظمى ومتطوِّرة مثل: أمريكا، واليابان، وكثير من دول أوروبا.
وكانت مناسبةُ الشُّكر هي تغريزة سيَّارة صديقي في رمال الصَّحراء، وقد كنتُ معه في رحلةٍ بريَّةٍ خارج جدَّة، ولمَّا عجزنَا عن انتشالها من قبضة رمال السَّبخة النَّاعمة، اتَّصلتُ بالرقم ٩١١، الذي التقطَ موقعنا على الفورِ، وأحاله إلى متطوِّعين سعوديِّين يقيمُون ليس ببعيدٍ عن الموقع، فجاءُوا إلينا مُهطِعِينَ ومُسرعِينَ بسيَّاراتهم ذات الدَّفع الرباعيِّ، وعُدَّتِهم وعتادِهم، وأنقذُونَا ممَّا نحنُ فيه، رغم أنّ الوقتَ كان ليلًا والظَّلامَ الدَّامسَ قد سجَا ولفَّ الصَّحراء بثوبٍ أسودَ حالِكِ السَّوادِ.
واليوم تخبرُنِي ابنتِي «جُمانة» عن قصَّة مريضٍ مُصابٍ بالسَّرطان، وقد أُجريت له عمليَّة جراحيَّة كبيرة ومعقَّدة، واحتاج لدمٍ من فصيلة معيَّنة، فاتَّصلت أمُّ المريض بذات الرَّقم الشَّهم ٩١١ الذي يبدُو أنّ لديه قائمةً جاهزةً بأسماء وأرقام هواتف المتطوِّعين الرَّاغبين بالتبرُّع بالدَّمِ لوجه الله، فما لبثت الأمُّ دقائقَ إلّا واتَّصل بها متبرِّعُونَ كُثُر يعرضُونَ دماءَهَم الزكيَّة للتبرُّع، وهكذا غُذِّيَ المريضُ بالدَّم المطلوب، بفضل الله، ثمَّ بهذا التَّنسيق النَّبيل الذي يُؤدِّيه الرَّقم ٩١١.
وهناك تناغمٌ شعبيٌّ وحكوميٌّ لتقديم الخدمات الأمنيَّة والإنسانيَّة، فكلٌّ منهما يُكمّلُ الآخرَ، لكنْ لولا حرصُ وزارة الداخليَّة على مثل ذلك، لما تحقَّق هذا التَّسهيل في كثيرٍ من شؤونِ الحياةِ التي تحتاجُ لتنسيقٍ لا تقدِرُ عليه إلَّا وزارةٌ بحجم وزارة الداخليَّة السعوديَّة، التي يقودُها الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز بكفاءةٍ وجدارةٍ، وكلُّ هذا يجري دونَ بروباغاندا إعلاميَّة تُفرحنَا وتُغيظ أعداءَنَا في الخارج، الذين من شدَّة بُهتانهم يصفُونا بأنَّنا دولةٌ بوليسيَّةٌ، فإنْ كانت مساعدةُ الإنسانِ وإنقاذه من الأزمات الطَّارئة، وتحقيق أمنه في كلِّ مناحي حياته، يندرج تحت هذا الوصف البوليسيِّ، فاشهد يا تاريخُ أنَّنا أوَّل الدُّول بوليسيَّةً تحمي مواطنِيهَا ومقيمِيهَا وسُيَّاحَهَا باقتدار، حتَّى ذاع صيتُ أمننا الفريد حول العالم.