الطبيعيُّ جدًّا، والمعهودُ عهدًا، أنَّ الرَّجل هو الذي عينهُ فارغةٌ، إذا رأى أيَّ امرأةٍ أخذ يلاحقها بنظراته، ويتابعها بعدساته، ولكنْ -أيضًا- هناك من النِّساء إذا أُعجبت بشخصٍ، أو سحرها جمالُهُ، وجذبها عطرُهُ، وأعجبها عذوبة حديثه، وإبداع علمه، لا شكَّ أنَّها ستباشر -بوعي أو بدون وعي- ملاحقتَهُ، ورمي شباك صيدها عليه، وترسل إليه الحبَّ معطَّرًا، وتسير نحوه قُدمًا لصيده، وبناء علاقة مودَّة معه، فيسري في قلبه تيارها الكهربائيُّ، فيتجاذب الاثنان أطراف الحديث -نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء- ويدفعُ بعدها فاتورةَ الكهرباءِ باهظةَ الثَّمن، إذا لمْ يكنْ تعلُّقه بها زواجًا وحياةً حلالًا.
إنَّ الوقوع في مثل هذه الشِّباك -أحيانًا- يكون مصحوبًا بتحرُّش بريءٍ في البداية من طرفِ المرأةِ، وقد تتمادَى فتتجرَّأ بالتحرُّش المباشر بهِ؛ لإخضاعِهِ لقلبِهَا، فإذا رفضَ أنْ يتعلَّق بها، أو يتفاعل معها، قلبت عليه ظهرَ المجنِّ، واتَّهمته -بدليلٍ أو بدون دليلٍ- أنَّه يتحرَّش بها، وأنَّه يلاحقها، وتنهال منها دموعُ التَّماسيح بين النَّاس، ويذهب صاحبنا بين الأرجلِ، الكلُّ يلومُه، ويعنِّفُه، مع العلم أنَّها هي التي قَدَّتْ قَمِيْصَهُ مِنْ دُبُرِهِ، وهي التي تحرَّشت به، لكن -للأسف- لا يمكن أن يصدِّق أحدٌ في المجتمع أنَّ المرأةَ يمكنْ أنْ تتحرَّش بالرَّجل، ولذلك من العدل إذا وقع شيءٌ من هذا القبيل، أنْ لا نتسرَّع باتِّهام الشَّاب دونَ أنْ نسمعَ منه، فالتحرُّش النِّسائيُّ أمرٌ مفروغٌ منه، وهو طبيعيُّ الحدوث من البعض، صحيحٌ أنَّ الشَّباب غالبًا ما يبادرُون بالتحرُّش، وأذيَّة البنات، لكنْ يبقى أنْ نُذكِّر بالتحرُّش النِّسائيِّ، وأنْ لا ننساقَ خلفَ الفزعةِ للبنتِ دون تثبُّت، فهناك الكثير من الرِّجال الذين يمثِّلُون الفزعة الكذَّابة عند مشاهدة مثل هذه الحالات؛ للانتصار للمرأة، أو لإظهار مكامن الرُّجولة المحزلقة، هذا خطأ؛ لأنَّ من الضروري معرفة هل قُدَّ القَمِيصُ مِن القُبِلِ أوْ مِن الدُّبُرِ؟ فإنْ كانَ من القُبُلِ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِن الكَاذِبِينَ، وَإنْ كَانَ مِن الدُّبُر فَكَذَبَتْ وَهُو مِن الصَّادِقِينَ، والمقصود بالقُبلِ والدُّبرِ في المجتمع -اليوم- هو معرفة مَن المُتحرِّش ومَن المُتحرَش بِهِ؟
قد يقول البعض -نادرًا- أنْ تتحرش البنت بالولد، أو المرأة بالشاب، لكنني لا أذهب بهذا الاتجاه كثيرًا، خاصة مَن هم في سن المراهقة من البنات؛ لأنَّ الهرمونات لديهنَّ في أعلى مستوياتها، والهرمونات أكبر المحفِّزات في الوقوع في التحرُّش عند الجنسين، لكنها عند الأُنثى أكثر تحفيزًا، وما يمنعهنَّ إلَّا الحياء، فإذا الحياء ذهب تحرَّكت الهرمونات، وحدث التحرُّش.