وفقَ إستراتيجيَّةٍ واضحةِ المعالم، تخطُو المملكةُ خطواتٍ واسعةً في طريقها للاستفادةِ من أصحابِ العقليَّاتِ الموهوبةِ، والقدراتِ الاستثنائيَّةِ، التي يمكنُ أنْ تسهمَ في تحقيق الإضافةِ الإيجابيَّةِ التي يحتاجُها سوقُ العملِ، وتثري المجتمعَ. وهذه الكوادرُ المتميِّزةُ أصبحت تُصنَّفُ ضمن الثَّرواتِ النَّادرةِ؛ لما لها من تأثيرٍ كبيرٍ في دفع عجلة الإنتاج.
في السَّابق، كان أصحابُ هذه القدراتِ يُهاجرُون نحو الولايات المتَّحدة، والدُّول الأوروبيَّة، أملًا في وجود الأجواء المناسبة، التي تساعدهم على تنمية قدراتهم وإبداعاتهم، وبالفعل وجدَ هؤلاء ضالَّتهم في تلك الدُّول، وانخرطُوا في ترقية معارفهم، والاستزادة من العلوم الحديثة، وقد برز منهم كثيرُونَ، أسهمُوا -بقوَّةٍ- في تحقيق النَّهضة والازدهار في تلك الدُّول، حتَّى بات يصطلح على تسميتهم بـ(العقولِ المُهاجرةِ). كما أنَّ كثيرًا من أصحاب الأموال العرب هاجرُوا نحو الغرب؛ بحثًا عن ملاذاتٍ مناسبةٍ، وأجواءَ مواتيةٍ تُمكِّنهم من استثمار أموالهم.
الآن، ومع توفُّر المناخاتِ المواتيةِ التي تساعد على الإبداع، فقد اتَّجهت كثيرٌ من الدُّول العربيَّة، لا سيَّما في منطقة الخليج العربيِّ، على استقطاب تلك الكوادر، وإغرائها للعودة والعمل في بيئاتٍ أقرب لهم، لا سيَّما في ظلِّ المضايقاتِ التي يتعرَّضون لها في الدُّول الغربيَّة؛ بسبب تزايد النَّزعة الشعبويَّة، وصعودِ أحزاب اليمينِ المتطرِّف التي تُعادي المهاجرِينَ واللاجئِينَ، إضافةً إلى آفةِ الإرهاب، وغيرها من العوامل المنفِّرة.
وترتكزُ الإستراتيجيَّةُ السعوديَّةُ لاستقطاب هذه الكفاءات، والعقول، ورؤوس الأموال الأجنبيَّة على عدَّة عوامل، في مقدِّمتها، تجنيسُ أصحابِ القدراتِ النوعيَّةِ في المجالاتِ الطبيَّةِ، والعلميَّةِ والثقافيَّةِ، والرياضيَّةِ والتقنيَّة، وهو ما يسهم -بدون شكٍّ- في تعزيز عجلة التَّنمية، ويعود بالنَّفع على المجتمع. إضافةً إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبيَّة؛ كي تمارس أعمالها في بيئةٍ اقتصاديَّةٍ سليمةٍ ومعافاةٍ، تضمنُ الحقوقَ، وتسمحُ بممارسةِ الأنشطةِ بحريَّةٍ، والاستفادة الكاملة من البنية التحتيَّة المتطوِّرة التي تمتازُ بها المملكةُ.
وخلال السَّنوات القليلة الماضية، ارتفعتْ جاذبيَّة المملكة لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبيَّة، خصوصًا بعد النَّهضة التشريعيَّة التي هدفت لاستكمال المنظومة، عبر سَنِّ قوانِينَ جديدةٍ، وتعديل العديدِ من الأنظمة، وهو ما أسهمَ في ارتفاع تصنيف المملكة لدى المؤسَّسات الماليَّة المُعتمَدةِ، حيث بات يُنظر للسعوديَّة على أنَّها وجهةٌ استثماريَّةٌ آمنةٌ ومتميِّزةٌ، وصار كثيرُون يُطلقُون عليها أرضُ الفرصِ الواعدةِ، ووجهةُ المستقبلِ، وغير ذلك من الألقاب.
خلال الأيام الماضية، كشفت السُّلطاتُ المختصَّةُ عن 5 منتجاتٍ للإقامة المميَّزة، وهي: كفاءةٌ استثنائيَّةٌ، وموهبةٌ، ومستثمرُ أعمالِ، ورائدُ أعمالِ، ومالكُ عقارٍ، وهو ما يكشف بوضوح عن جرأةٍ وثقةٍ وطموحٍ عالٍ لدى القيادة السعوديَّة، التي عبَّرت من خلال رؤية المملكة 2030 عن توجُّهٍ واضحٍ في تطوير بنية المجتمع، ورفع كفاءة وقدرات الشَّباب.
هذه المنتجات تتيحُ لأصحاب هذه القدرات، الفرصةَ للاستثمارِ بقوانين واضحةٍ وشفَّافةٍ، وهو ما سوف يضخُّ المزيدَ من الأموال في شرايين الاقتصاد، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبارِ أنَّ هناك الكثيرَ من المستثمرين الأجانب، الذين أبدوا في مرَّات متعدِّدة رغبتهم في العمل بالمملكة؛ عطفًا على ما يوجد بها من بيئةٍ آمنةٍ، وآفاقٍ استثماريَّةٍ هائلةٍ، تتيحُ الفرصة لتحقيق مكاسب كبيرة، وتوليد المزيد من فرص العمل للشَّباب.
وفيما يتعلَّق بأصحاب المواهبِ والكفاءاتِ من الشَّباب وصغار السِّنِّ تحديدًا، فهو مجال يبدو أكثر جاذبيَّة ومنفعة للدَّولة، وذلك لأنَّ كثيرًا منهم وُلِدُوا ونشأُوا في المملكة، وتشبَّعُوا بقيم البلاد، وتعرَّفُوا على عاداتها. لذلك تتزايد الدَّعوات للتَّركيز على استقطاب هؤلاء وتشجيعهم على البقاء، والعطاء، والإبداع، وتهيئة البيئة الحاضنة الكفيلة بتمكين تلك العقول والعبقريَّات، وإطلاق قدراتها، وحصد إنجازاتها، لا سيَّما في مجالات الطبِّ، والصِّناعة، والطَّاقة، والزِّراعة، والجيولوجيا والفضاء، والطَّيران، والذَّكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وغيرها من التخصُّصات النَّادرة والمطلوبة.
نعم.. لدينا من الكفاءات الوطنية المتميزة، والعقول الفذة كثيرون، ولكن هذا لا يمنع من استقطاب آخرين لإثراء المجتمع، وزيادة قدرته على المنافسة، فنحن نمتلك طموحاً وحماساً لا يحدهما حدود، ولدينا من الإمكانات والقدرات ما يدفعنا لمنافسة الآخرين. وكما أثبتت المملكة في مرات كثيرة قدرتها على تطويع المستحيل، فإنها هذه المرة عازمة على أن تحجز لها مكاناً في طليعة الدول الكبرى.