برعايةٍ كريمةٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعلى شرفِ سموِّ الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكَّة المكرَّمة، افتُتِحَ مؤتمرُ ومعرضُ الحجِّ والعُمرة 8/1 /2024م الذي يعتبر كرنفالًا (وطنيًّا، ثقافيًّا، علميًّا، تسويقيًّا)، شاملًا لخدمات ضيوف الرَّحمن، لتحقيق أقصى درجات الرَّاحة والطمأنينة لهم. وهو مبهرٌ في تنظيمه، خاصَّةً حفل الافتتاح، الذي قُدِّم فيه تكريمُ الجهات الفائزة (بجائزة لبَّيتم)، والتي من أهمِّ أهدافها: تحفيزُ الجهات الحكوميَّة والخاصَّة والأفراد على تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرَّحمن، وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في الخدمات. وقد كُرِّمت الجهاتُ الفائزةُ، ومنها فئة شركات حجَّاج الخارج، وفاز بالمركز الأوَّل: مشارق المتميِّزة، وبالمركز الثَّاني: مناسك المشاعر، وبالمركز الثَّالث: ضيوف البيت.. كما حفلت جلسة الافتتاح بقاماتٍ وطنيَّةٍ من أصحاب المعالي الوزراء، وهم: معالي الدكتور توفيق الربيعة، ومعالي المهندس خالد الفالح، ومعالي المهندس وليد الخريجي، ومعالي الأستاذ عبدالعزيز الدعيلج، ومعالي الأستاذ عبدالعزيز الداود، وحتمًا كان لهذه المشاركة الدور الأكبر في إبراز جهود وسياسة الدَّولة العُليا في خدمة ضيوف الرَّحمن، كلٌّ فيما يخصُّ وزارته من تطوُّرات متسارعة، وضخِّ الملايين من الرِّيالات للمشروعات الإستراتيجيَّة، التي هي بنى تحتيَّة أساسيَّة في خدمات الحجِّ والعُمرة، والتَّسهيلات الكُبْرَى لتحقيق رؤية ٢٠٣٠، باستقبال ٣٠ مليونَ معتمرٍ، وحوالى ٤ ملايين حاجٍّ، والتي تتطلَّب تسهيلات كُبْرى ومنها: ما قامت به وزارةُ الحجِّ بتطوير (منصَّة نسك أفراد، ونسك أعمال). كما حفل اليوم الثَّاني بجلساتٍ مهمَّةٍ عن ريادة الأعمال والمنشآت الصَّغيرة والمتوسِّطة، ومع معالي وزير الحجِّ الدكتور توفيق الربيعة، وكوكبةٍ أُخْرى من الضُّيوف، والذي أكَّد معاليه أنَّ هناك فرصًا كبيرةً في مكَّة المكرَّمة، وأنَّها لم تُستَغلْ كما يجب، خاصَّةً فيما يتعلَّق بالهدف الثَّالث من أهداف الرُّؤية، وهو: (إثراءُ التجربةِ الدينيَّة والثقافيَّة لضيوفِ الرَّحمن)، بالرغم من توفُّر البنى التحتيَّة مثل: مركز غار حراء الثَّقافي، وغار ثورِ، وخاصرة درب عين زبيدة، إلَّا أنَّها لم تُستَغل كما يجب، وذكر منها: أعمال الخدمات الطبيَّة المتنقِّلة، وضيافة الأطفال، والهدايا التذكاريَّة من: «صُنع في مكَّة»، وتنظيم الرِّحلات السياحيَّة، وإيصال الأدوية المتنقِّلة.. وغيرها كثير. الجميل تأكيد معاليه على دعم الوزارة لكلِّ مَن يريد استغلال هذه الفرص، وتُقدِّم له الإمكانات والحوافز.. وهذا شيءٌ مهمٌّ جدًّا لكلِّ مَن يريد إقامة مشروعٍ استثماريٍّ.
كما حفلت جميع الجلسات الأُخْرى، وخلال ثلاثة أيام، بكمٍّ هائلٍ من الخدمات الحكوميَّة، وخاصَّةً في مجال التَّقنية، والذَّكاء الاصطناعيِّ -حاضرًا ومستقبلًا-؛ ممَّا أثلج صدورنا، وأسعد جدًّا البعثات الخارجيَّة من القناصل، ورؤساء البعثات، والوكالات السياحيَّة، الذين بثَّت فيهم هذه الجلسات الكثير من الطمأنينة نحو الخدمات المقدَّمة للحجَّاج والمعتمرين.
كما أنَّ تطوير العاملين في خدمات الحجِّ والعُمرة، قد أخذ حيِّزًا كبيرًا بورش عمل، حيث قُدِّمت أكثر من 45 ورشةً من شخصيَّات أكاديميَّة، وجهات متنوِّعة، وموضوعات مهمَّة، مثل مشروع الرِّقابة الشَّاملة في الحجِّ، والجهود الوطنيَّة في مجال حقوق الإنسان، وإثراء تجربة الحاجِّ من منظور الشركات، والتميُّز المؤسَّسي في أعمال ومشروعات خدمات الحجِّ والعُمرة.. وغيرها من الورش التي تزوِّد رأس المال البشريِّ بكثير من المهارات والخبرات والتجارب. وأمَّا تنظيم المعرض تحت قبَّة (السوبر دوم بجدَّة)، فقد كان قمَّة الدَّهشة والإبهار بتقسيماتِهِ المتنوِّعة، وروعة العرضِ والخاماتِ المستخدمةِ، فهناك أقسامٌ خاصَّة لشركات النَّقل والمواصلات، وأُخْرى لتقنيةِ المعلومات والجهات الحكوميَّة المختلفة، والشَّركات الخاصَّة بخدمات الحجِّ لحجَّاج الداخل، وأُخْرى لخدمات حجَّاج الخارج، وشركات العُمرة، وشركات الضِّيافة والتّغذية، وهناك جمعيَّة الكشَّافة السعوديَّة، التي وزَّعت خرائط ورقيَّة عن المشاعر المقدَّسة، وأُخْرى تفاعليَّة. بل حتَّى القطاع غير الربحيِّ، كان مشاركًا بفاعليَّة، ومنهم جمعيَّة إكرام عابر السبيل (مكارم)، والتي تقدِّم خدماتها لمَن تقطَّعت بهم السُّبل من الحجَّاج والمعتمرين في الطُّرقات.. حتَّى يُخيَّل إليكَ أنَّكَ في وسطِ كوكبٍ دُريٍّ تُشرقُ جنباته بنبضِ خدماتٍ تسويقيَّةٍ جميلةٍ؛ ممَّا جعل ممثلي الدُّول الإسلاميَّة والعربيَّة من القناصل والبعثات والوكالات السياحيَّة في حيرةِ من أمرهم، ماذا يختارُون من هذا الخضم؟! وحتمًا التَّنافس في الخدمات والتَّقنيات الحديثة، وتسهيلات الرحلة، وبمعايير عالميَّة، هي المحور الأساس.
كل الشكر لكل الجهود المخلصة المبذولة لإبراز هذا الحدث كحدث إسلامي عالمي.. ولكن ما أريد أنْ أهمس به هو: ماذا بعد المعرض؟ أين تذهب كل تلك الكيانات المادية الرائعة، والتي كلّفت الملايين من الريالات؟ حيث كان التنافس كبيرًا للفوز بأفضل تصميم، وقد أعلنت أسماء بعض الشركات الفائزة.. ناهيك عن أنواع الرعاية الإستراتيجية، والماسية، والذهبية.
أتمنَّى ألَّا يذهب كلُّ ذلك إلى مكبِّ النِّفايات، وأنْ يكون هناك وعي بأهميَّة الادِّخار، وحفظ هذه المعارض لفعاليَّات أُخْرى، أو لمعرضٍ آخرَ؛ حيث كلَّفت الملايين من الرِّيالات، والفكر الاقتصادي يقول: (لَا للهدرِ)، وهذا من أهم مقوِّمات النَّجاح للشَّركات.