في حديثٍ مع رجل الأعمال وليد إبراهيم السبيعي، أشار -من خلال معرفته- أنَّ الشَّركات العائليَّة تواجهُ العديد من التحدِّيات، وهي -كما ذكر لي- تحتاجُ إلى مزيدٍ من تسليط الضُّوء عليها، والعناية بها، ودراسة اوضاعها، إنَّ الشَّركات العائليَّة مخزونٌ وطنيٌّ ذو اعتبارٍ ماليٍّ واقتصاديٍّ كبيرٍ، وذراعٌ من أذرع النَّماء الوطنيِّ، وهي ذات وزنٍ؛ لما لها علاقة بالدَّولة والمجتمع والاقتصاد.
ومن هنا وجب الاهتمامُ بها، ففي المسار العاديِّ تعاني هذه الشَّركات من إخفاق في المحصلة النهائيَّة عند موت صاحبها، وتركها دون أنْ يكونَ لها أُسس نظاميَّة في بنائها، أي دون أنْ يكونَ عملُهَا مؤسسيًّا ثابتًا، يقرُّ استدامتها بعد وفاة مالكها، أو أحد ملَّاكها في حالة الشَّراكة، وكم من الشَّركات العائليَّة خسرتْ بسبب تصرُّفات أهل الشَّركة (الورثة).
يرتبط نجاح المنشآت العائليَّة، واستدامة استثماراتها، وزيادة دخلها بعدَّة أمور، منها وجود دستورٍ وميثاقٍ عائليٍّ؛ للمحافظة عليها، وفقَ نظام تتَّفق عليه العائلةُ، ولائحةٍ ذات بنودٍ تُغلِّب مصلحة الشَّركة، وسير عملها واستثماراتها على الحظوظ الشخصيَّة في العائلة؛ لأنَّ أحدَ الأمور التي تعيقُ استدامة هذه الشَّركات هو اختلافُ أهلِ الشَّركة الذين هم شركاءُ في الورثِ، حيث تظهرُ مثل هذه المشكلات عند وفاة صاحب الشَّركة، ويكون الموضوع أسوأ حالًا عندما يكونُ صاحب الشَّركة في وضعٍ صحيٍّ متدهورٍ، قد لا يعي ما حوله، وليس هناك من أمرٍ يجعل الشَّركة مستمرَّةً وناجحةً إلَّا إذا كان عملُها مؤسَّسيًّا.
في كثير من الشركات العائلية، يفضل ويستحسن إدارتها (مديرها التنفيذي) من خارج العائلة، وذلك لتحقيق مبدأ فصل الإدارة عن الملكية، على أن يكون من أصحاب الخبرة والتخصص، ولا بأس أن ينتقى لإدارتها أو العمل بها من أهلها، أي من أهل الشركة -بنين وبنات وحفدة- متميزون إدارياً، وأمناء على المال، وحريصون على مصلحة الشركة، ولا شكَّ في مقابل ما ذُكر هناك شركاتٌ عائليَّة ذات تجارب ناجحة، واستمرَّت وحقَّقت مبدأ الاستمرارِ والاستدامةِ والنموِّ، بل إنَّ بعضها ضاعفت استثماراتها ممَّا يجب الاستفادة من تجاربها.
إنَّ من المسؤوليَّة الفرديَّة أنْ يرتِّب كبيرُ الشَّركة أمورَ بقائِها ومستقبلها واستثمارها بصفة الاستدامة بعد وفاتِهِ، لذلك فإنَّ تصحيح المسار في الشَّركات العائليَّة أمرٌ حتميٌّ، بمعنى ألَّا يبقى -كما هو- أمرًا تقليديًّا، أي أنَّه «ورث للعائلة» يتقاسمُونَه عند وفاةِ صاحب الشَّركة، إنَّما يجب معالجة الموضوع مبكِّرًا في حياة مالكها، أو ملَّاكها، بحيث يكون إسقاط الإرث مبنيًّا على بنود أنظمة ولوائح الشَّركة التي يجب أن تعتبر دستورَ وميثاقَ العائلةِ هو الأساس لتوزيع الإرث، وكذلك من تصحيح المسار يجب أنْ تُدار أمور الشَّركة أساسًا بالحوكمة والشفافيَّة، ومن تصحيح المسار -أيضًا- الحرص على وجود أو بقاء جهازٍ إداريٍّ أمينٍ ومتمكِّنٍ وناجحٍ يعمل على تطبيق أنظمة ولوائح الشَّركة بعد وفاة صاحبها، كما لو كان صاحبها حيًّا، ويخطئ مَن يقول لورثته أنا أتركُ لكُم كلَّ شيءٍ، وأنتُم من بعدي افعلُوا ما شئتُم به، إنَّه الضَّياع بعينه؛ لأنَّ المطلوب استدامة الشَّركة بتنمية المال، والبحث عن أسباب حفظه وزيادته واستثماره، ورفع مؤشِّرات اقتصاديَّاته، لا توزيعه فقط على الورثة، وما من مؤسَّسات وشركات عائليَّة تركت الأمر كما يفعل البعض، بناءً على توزيع الورث فقط، إلَّا وتعرَّضت للتدهور، وفتح أبواب الخلاف بين الورثة، وبالتَّالي ضياع مستقبل الشَّركة، ولا شكَّ أنَّ تقسيمَ الحصَّة الورثيَّة من أرباح الشَّركة بديلًا عن التَّقسيم المباشر للورث هو الحلُّ النموذجيُّ.
إنَّ قطاع الشَّركات العائليَّة مدعوٌّ لسرعة التحوُّل في آليَّة التَّنظيم الداخليِّ، وبيئة العمل للتَّمشي مع تطلُّعات مستوى التَّخطيط المُستهدف في المملكة، في ظلِّ أهداف رؤية 2030، خاصَّةً أنَّ مساهمتها في النَّاتج المحليِّ غير النفطيِّ السعوديِّ يُقدَّر ما بين 15 إلى 20 في المئة (صحيفة الشَّرق الاوسط 17 سبتمبر 2019)، وهناك العديدُ من الأمور المرتبطة بنجاح الشَّركات العائليَّة، مثل الاستفادة من المركز الوطنيِّ للشَّركات العائليَّة، وكذا تحقيق المزيد من الدِّراسة، وعقد الندوات واللقاءات، وورش العمل؛ بهدف رسم خريطة الطريق لمستقبلها؛ لأنَّ في ذلك مصلحة العائلة نفسها، ومصلحة البلاد، والاقتصاد الوطنيِّ.