لقد أصبحَ العالمُ -اليومَ- قريةً صغيرةً؛ بسبب ثورةِ تكنولوجيا المعلوماتِ والاتِّصالات، وأصبحت كافَّةُ صِيغ اكتسابِ المعرفةِ المقروءةِ، والمسموعةِ، والمرئيةِ، تُقدَّم في يُسر غير مسبوقٍ أمامَ إنسانِ القرنِ العشرين، الذي يتطلَّب توفُّر مهاراتٍ ومعلوماتٍ لدى الإنسان، تساعده على التكيُّف مع عصر المعرفةِ والمعلوماتيَّة، حتَّى لا يقتصر دوره على استهلاك تلك المعرفة دون إنتاجها.
وتُعدُّ كثافة المعرفة (KNOWLEDGE INTENSITY) من حيث الكمِّ والكيف، هي المؤشِّر الأوَّل للتغيُّرات والتطوُّرات الحادثة في بنية المجتمعات، خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث تبنَّت دول العالم المتقدِّم، وبعض الدُّول النَّامية أعلى المعدلات؛ لإسهام مكوِّن المعرفة في مدخلات تطوير محتوى التَّعليم وعمليَّاته ونواتجه، كما كانت كثافة التكنولوجيا (TECHNOLOGICAL INTENSITY)، مؤشِّرًا آخرَ للتَّطوير ومتطلَّباته، والذي تنافست حوله العديدُ من دُول العالم المتقدِّم.
وانطلاقًا من هذا باتت مقاييس الجودة والتأهيل والإنجاز أهم المحددات التي تقوم عليها مقومات رأس المال البشري (HUMAN CAPITAL)، كناتج لتطوير التعليم الجامعي، في ظل مجتمع المعرفة، كما أصبحت نوعية الخريج وتأهيله ومهاراته وكفاءته المعرفية كُبْرَى عوامل الانتقاء والاختيار والتوظيف، ومتطلبات سوق العمل، في ظل تنافسية على درجة عالية من الحدة. قد ترتَّبت على هذَا أنْ تنامت معدَّلات الإقبال على التَّعليم العالي، والجامعيِّ بصفة عامَّة، وكليَّات الهندسة والعلوم والحاسبات والإدارة والتِّجارة والاقتصاد بصفةٍ خاصَّة، وتقلَّصت -إلى حدٍّ كبيرٍ- أعدادُ الخرِّيجين الحاصلين على مؤهَّلات متوسِّطة، وانحسر الطَّلبُ عليهم في سوق العمل؛ ممَّا يشيرُ إلى تنامي الطَّلب على العمالة الجامعيَّة المتخصِّصة، لذلك على مؤسَّسات التَّعليم العالي ضمان مستوى متميِّز من الخرِّيجين يلبِّي احتياجاتِ سوقِ العملِ والتَّنمية المجتمعيَّة.