ضمن رزمانة فعاليَّات السعوديَّة لعام 2024م، والتي وصلتني مع إطلالة هذا العام الميلاديِّ، توقَّفت كثيرًا عند فعاليَّة مؤتمر دراسات الطُّفولة المبكِّرة في شهر يناير، والذي تزامن توقيته مع الإجازة المطوَّلة المعتمدَة في خطَّة وزارة التَّعليم خلال شهر رجب، وسارعتُ للتَّسجيل فيه، ثمَّ طمحتُ للمشاركة بورقةِ عملٍ مع نخبة من المختصِّين في مجال الطُّفولة المبكِّرة، ورياض الأطفال. هذا المؤتمر يهدفُ إلى تقديم ومناقشة القضايا ذات الصِّلَة بشكلٍ مباشرٍ بتربية وتعليم الطِّفل، وطرح الدِّراسات والأبحاث ذات العلاقة برعاية الطِّفل، وتعليمه، وتربيته في مختلف المراحل ما قبل الرَّوضة، ومرحلة رياض الأطفالِ، والمرحلة الابتدائيَّة من عمر سنة حتَّى 12 سنة، من حيث الجانب التَّعليميِّ والتَّربويِّ والصحيِّ والتَّرفيهيِّ.
تنوَّعت موضوعات المؤتمر التي تلامس الاحتياج الفعليَّ للميدان التَّعليميِّ لهذه المرحلة التَّأسيسيَّة والمهمَّة جدًّا في حياة الإنسان.. بدأت الجلسات بموضوع تفعيل التَّربية الإبداعيَّة أثناء ممارسة الأطفال لأنشطة البرنامج اليوميِّ، ومِن ثَمَّ تَمَّ التَّطرُّق إلى أثر إستراتيجيَّة الاستقصاءِ في زيادة دافعيَّة تعلُّم الأطفال في مرحلة الرَّوضة، وتطرَّقت إحدى الباحثات إلى موضوعٍ بالغ الأهميَّة عن فعاليَّة نموذجٍ استرشاديٍّ لمعلِّمات الصفوف الأوَّليَّة لتوظيف لعبة الإصدار التَّعليميِّ في العمليَّة التعليميَّة؛ لمواكبة التطوُّر التقنيِّ، واهتمام الجيل الجديد بهذا العالم، لابُدَّ من تحقيق الكفايات المهنيَّة التكنولوجيَّة لمعلِّمي ومعلِّمات الصفوف الأوَّلية لتوظيف لعبة «Minecraft» في العمليَّة التعليميَّة، وتحقيق دمج التَّقنية في التَّعليم.
لذا من الأهمية القصوى تطويرالمستوى المهني للمعلمات وتدريبهن ليصبحنَ -اليوم- أكثر مواكبة لمتطلبات العصر، ويكنَّ جزءاً من عملية اتخاذ القرار عند اختيار الألعاب، فالتعلم باللعب تجربة ثرية جداً للطفل.
واستمرَّت الرحلة التَّعليميَّة مع ذوي الخبرة والاختصاص؛ لنصلَ لمحطَّة معرفيَّة تحدَّثت فيه خبيرةٌ تربويَّةٌ ومستشارةٌ أسريَّةٌ عن دور المربِّي لتفعيل طاقات التعلُّم لطفلِ ما قبل المدرسة، ثمَّ أبحرت بنا باحثةٌ للحديثِ عن تصوُّرات العاملات في مجال الطُّفولة المبكِّرة نحو تطبيق مدارس الطُّفولة في تعليم الخرج، أمَّا عن تجاربِ الأُمَّهات السُّعوديَّات حول الشَّراكة المجتمعيَّة بين الأُسرة والمدرسة في مرحلة الطُّفولة المبكِّرة، فكانت دراسة نوعيَّة حلَّقت بنا لتفعيل هذه الشَّراكة، من أجل تحقيقِ أهدافِ ورؤيةِ وطنٍ، وكان لسلطنة عُمان حضورٌ مميَّزٌ في هذا المؤتمر، عبر ورقة عمل طرحت المشكلات التي تواجه الأطفال في مرحلة التَّعليم ما قبل المدرسة.
كم تثرينا هذه المؤتمراتُ بخبراتٍ متنوِّعةٍ من خلال طرحٍ علميٍّ رصينٍ، وخبراتٍ ثريَّةٍ من دُول الخليج العربيِّ، والدُّول العربيَّة الشَّقيقة التي نتشاركُ معها اللُّغة، والدِّين، والقِيم المشتركة، والثَّقافة؛ لنبنِي معًا مستقبلًا أفضل للتَّعليم في الوطن العربيِّ الذي نشكِّل فيه قوَّةً فاعلةً أمام العالم بأسرِهِ، وما أسعدني بصحبةِ أخواتٍ كريماتٍ، وباحثاتٍ مرموقاتٍ من الإمارات، ومصر، ومن السُّودان القادمة من الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، تبادلنا الحوارات الهادفة على هامش المؤتمر، وكانت كلماتُ الدكتورةِ من السُّودان ذاتَ وقعٍ كبيرٍ في قلبِي وروحِي، ولامست شغافَ قلبِي، وهي تتحدَّث عن بناتِهَا، وعن حالةِ الإعجابِ الكبيرِ بشخصيَّةِ القائدِ المُلهم لكلِّ شبابِ الوطنِ العربيِّ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -رعاه الله- قالت لي: إنَّ ابنتَهَا ذاتَ الخمسة عشر ربيعًا تتابعُ بشغفٍ كلَّ أحاديثِهِ، ومشروعاتِهِ، ومبادراتِهِ، ومشروعاتِ الرُّؤية وبأدقِّ التَّفاصيل؛ لأنَّها تجدُ فيه رمزًا حقيقيًّا للإنجازِ المُبهر على المستوى الحضاريِّ الإنسانيِّ المُحبِّ لوطنِهِ.
وكان للوعي السياحيِّ لأطفالِ الرَّوضة في ضوء رُؤية السعوديَّة 2030 ورقةُ عملٍ، وتُعدُّ ورقةً مميَّزةً ورائعةً بكلِّ المقاييس، مواكبةً للاحتياج الفعليِّ اليوم للسعوديَّةِ في مشروعها الوطنيِّ العملاق، وكان ختام اليوم الأول عبر ورقةٍ تشرَّفتُ بتقديمِهَا عن استثمارِ عاداتِ العقل في تعليم طفل الرَّوضةِ والصُّفوفِ المبكِّرة؛ إيمانًا بأهميَّة تعليم مهارات التَّفكير، ودمج الذَّكاءات المتعدِّدة مع عادات العقل، من أجل استثمارٍ أفضل للعقل البشريِّ المُنتج.
وكما قالَ العالمُ ليبمان: (إنَّ مَا لمْ يتم تعلُّمه في الرَّوضةِ، فسوف لا يتم تعلُّمه، أو ترسيخه فيما بعد؛ لأنَّ ما يتمُّ خسارتُهُ مبكِّرًا لا يُعوَّض، وقد يُعوَّض مشوَّهًا).. وللحديث بقيَّة عن اليوم الثاني من المؤتمر، وموضوعات متميَّزة تليقُ بمستقبل التَّعليم في وطني، وفي العالم العربيِّ، وما أروع أنْ تكونَ الرِّياضُ منارةً للعلم، تشرقُ شمسُهَا في سماءِ الكونِ.
دامت فعاليَّات الرِّياض النوعيَّة، ودام الأمنُ والسَّلامُ والحبُّ والعلمُ والفكرُ والثقافةُ في السعوديَّةِ العُظمَى.