تشجيعاً للمواطنين على تنمية ثقافة الادخار، وتوفيراً لرؤوس الأموال لاستثمارها بواسطة القطاع الخاص؛ بما يعود بالفائدة على المودعين، كشفت وزارة المالية والمركز الوطني لإدارة الديْن، عن إطلاق أول منتج ادخاري مخصص للأفراد، ومدعوم من الحكومة، وذلك تحت اسم (صح)؛ المشتق من الحروف الأولى لعبارة (صكوك حكومية)، والذي يتوافق تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويبتعد عن شبهات الربا، ويُحقِّق عوائد مجزية للمواطنين.
والمنتج الذي يأتي ضمن مبادرات برنامج تطوير القطاع المالي، هو أحد البرامج المتميزة التي جاءت بها رؤية السعودية 2030، بهدف رفع معدلات الادخار بين الأفراد من خلال تحفيزهم على استقطاع جزء من دخلهم بشكل دوري، وتخصيصه للادخار، وترسيخ وإثراء الثقافة المالية بين المواطنين وتوعيتهم بأهمية الادخار؛ وفوائده للتخطيط لأهدافٍ مستقبلية.
ومن أكبر الأخطاء التي يقع فيها كثيرون منَّا، عدم التركيز على ادخار جزء من دخلنا الشهري للظروف الخارجة عن الإرادة، حيث نقوم بإنفاق معظم الدخل، وما أن يحل بنا ظرف طارئ أو مشكلة عابرة، حتى نسارع للبحث عن القروض التي تُدخلنا في دوامة الفوائد، واستقطاع نسبة كبيرة من الدخل لفترات طويلة، مما يصيب ميزانياتنا بالارتباك، بل إن البعض يضطر للدخول في أقساط جديدة، لأجل تصفية القديمة، وهي دائرة جهنمية لا يستطيع الإنسان الفكاك منها إلا بخسائر فادحة.
ومن أكبر مزايا هذه الصكوك المحلية المقوّمة بالريال السعودي، أنها تحمل مكاسب متعددة لجميع الأطراف، فبالإضافة إلى حث المواطنين على تعزيز ثقافتهم المالية، والاتجاه نحو الادخار، فإنها تمثل حافزًا للقطاع الخاص للتعاون والمشاركة في تطوير وإطلاق عدد من المنتجات الادخارية لأهدافٍ محددة، تصب في مصلحة مختلف شرائح المجتمع، كما أنها تحقق مكاسب مالية مجزية للذين لا يُحسنون الدخول في أعمال تجارية، مثل الموظفين والمتقاعدين، بما يجنّبهم الدخول في مخاطر غير مأمونة العواقب.
لذلك، فإن إقرار هذه الصكوك يعتبر خطوة فريدة تحسب كإحدى الإنجازات المتميزة لرؤية المملكة 2030، التي أحدثت العديد من التعديلات الإيجابية في بنية المجتمع السعودي، ورفعت مستوى الوعي بالجوانب الاستثمارية.
ففي هذا العصر الذي تزايدت فيه الاحتياجات وتشعبت، فقد ارتفعت الحاجة إلى اتباع نهج الادخار لتوفير متطلبات تعليم الأبناء أو العلاج، أو لإجراء الإصلاحات للمنازل، والمساعدة في تحمل تكاليف الحياة في حال ترك رب الأسرة للعمل فجأة، وغير ذلك من الظروف التي في علم الغيب.
كذلك، فإن الادخار يتيح لصاحبه امتلاك الحرية المالية، وعدم الاعتماد كلياً على الراتب الشهري للحفاظ على نمط حياته الحالي، حيث يمكنه اتخاذ قرارات حياتية مهمة بكل شجاعة، ودون قلق بشأن المال، مثل تغيير الوظيفة، أو الزواج، أو بدء مشروعه الخاص.
كذلك، فإن الادخار والتحسب للمستقبل، هو جزء أصيل من ديننا الإسلامي الحنيف الذي يأمرنا بذلك، حيث ذم الله تعالى المبذرين، ووصفهم بإخوان الشياطين، ودعا عباده المؤمنين لأن يكونوا في منطقة وسطى بين الإسراف والتقتير.
وإن كان البعض يتخوف من استثمار أمواله في البنوك التجارية خوفاً من الوقوع في شباك الربا -ولست هنا في موقع للإفتاء في ذلك- فإن الصكوك الحكومية الجديدة قد أزالت هذه المخاوف تماماً بعد تأكيدات الجهات المختصة بأنها متوافقة تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية، لذلك يتوقع أن يكون الإقبال عليها كبيراً.
نعم، نحن نعيش في وطنٍ يحفظ كرامتنا، وأنعم علينا الله تعالى بقيادة ملهمة تعرف كيف تقودنا بأمن، وتلبي كافة احتياجاتنا، وتعمل على ضمان مستقبل أبنائنا وأجيالنا المقبلة، لكن ذلك ليس مدعاة لكي نتعامل مع الأمر باتكالية ولا مبالاة، بأن نقوم بصرف كامل دخلنا، وعلينا النظر للمستقبل، وأن نضع في حسباننا أن هناك ظروفاً طارئة تستجد في حياتنا، وتتطلب منا الاستعداد بصورة مسبقة.
ختاماً، فإن توفير المال بدلاً من إنفاقه بالكامل، يعد أهمية حيوية، لأنه يمنح الإنسان ثقة لا مثيل لها في اتخاذ قراراته المصيرية. لذلك فإن الارتباط بتوفير جزء معيَّن من الراتب – ولو كان بسيطاً – سوف يشجع على ادخار مبالغ أكبر مستقبلاً.