حبُّ العلمِ والشَّغفُ بالتعلُّم هما إحدى سِماتِ الشخصيَّةِ المنفتحةِ على الحياةِ المثابرةِ، وهي من نعمِ اللهِ على الإنسانِ. فحتَّى حينما يُنهي الشَّخصُ دراستَهُ العُليا مثلًا، تراه يعملُ على دراساتٍ أُخْرَى، واكتشافِ مظاهرَ علميَّةٍ جديدةٍ، وهذا يقودُه للإبداعِ والابتكارِ، ونفعِ الإنسانيَّةِ، وكذلك من الممكنِ أخذُ دوراتٍ تطويريَّةٍ. وهذا ما أقومُ به من حينٍ لآخرَ للاستفادةِ من العلمِ والمعرفةِ، وإفادةِ الوسطِ الاجتماعيِّ والإداريِّ مِن حولِي.
وقدْ عملتُ قبلَ أعوامٍ على الالتحاقِ بـ(مؤسَّسة الجودةِ والتميُّز IQE الدوليَّة)، رغبةً منِّي في امتلاكِ مفاتيحِ الجودةِ وتطبيقهَا على ميدانِ خدمةِ ضيوفِ الرَّحمن، وهو أهمُّ مرفقٍ -في نظري-، حيث يعتبرُ الحجُّ والعُمرة الواجهةَ الحضاريَّةَ للدولةِ السعوديَّةِ، فكلَّما جوَّدنَا الخدمةَ، حصلنَا على التَّحسينِ والتَّطويرِ المستمرِّ، ورضا ضيوفِ الرَّحمن؛ ممَّا يحسِّن من سُمعة شركاتِ الحجِّ والعُمرة، وتلبية تطلُّعات القيادةِ الحكيمةِ في تقديم أفضلِ الخدماتِ للحجَّاج والمعتمِرين.
وحقيقةً، أبهرتنِي هذِهِ المؤسَّسة بما تقدِّمه من دوراتٍ متقدِّمةٍ في الجودةِ، بقيادةِ ربَّانها الباهر سعادة الدكتور عدنان الصغير، الحاصلِ على دكتوراة في إدارةِ المواردِ البشريَّةِ، وهو مقيِّمٌ، ومحكِّمٌ، ومدرِّبٌ، ومستشارٌ لعددٍ من الجوائزِ، ونماذج الجودةِ الشَّاملةِ، والتميُّز المؤسَّسي المحليَّة والدوليَّة، بل وطوَّر مؤخَّرًا نموذجَ التميُّز الدوليِّ (IIEM) International Institutional Excellence Model، الذي يُعتبر نموذجًا فريدًا يقارعُ نماذجَ عالميةً في الجودةِ، كالأيزو ISO، أو النموذجِ الأوروبيِّ للجودةِ EFQM وغيرها.
وحقيقةً، فمنذُ انخراطِي في البرنامجِ وحتَّى الآن، شعرتُ أنَّه مَن كانَ معلِّمًا في يوم ما، وقدَّم مئاتٍ من البرامجِ التدريبيَّةِ، وعملَ مستشارًا لعددٍ من الشَّركاتِ، لهُو منهلٌ فيَّاضٌ يجبُ الاستزادة منه، ومن كلِّ كلمة يقولها، فترى المتدرِّبين والمتدرِّبات يحضرُون الدوراتِ معه وبـ٢٥ ساعةً، ويوميًّا خمس ساعات متواصلة، دون كللٍ أو مللٍ، مع أنَّ معظمنا أصلًا خبراءُ ومستشارُون في التَّقييم الداخليِّ والخارجيِّ، ولكنَّ شغفَ العلمِ الذي تحدَّثتُ عنه، هو المحفِّز على استمرارِ التعلُّم.
ولعلِّي أتحدَّثُ في هذه العجالةِ عن جزءٍ يسيرٍ ممَّا استفدتُه، وهو أهميَّة القيادةِ الإداريَّةِ، وخاصَّةً في قطاعَي الحجِّ والعُمرة، وضرورة تبنيهما لمبادئ الجودةِ، ومن ثمَّ الانتقال منها إلى الجودةِ الشَّاملةِ؛ للوصولِ إلى التميُّز المؤسَّسي بالتدرُّج والمتابعة الحثيثةِ؛ فلن يحدثُ التميُّز المؤسَّسيُّ إلَّا بإدراكِ القيادةِ في المنشأةِ أهميَّة نشرِ ثقافةِ الجودةِ، بحيث تشملُ كافَّة نشاطاتِهَا من خلال دراسةِ احتياجاتِ العميلِ، وتحقيق أقصى درجاتِ الرِّضا له.
ولنْ نصلَ إلى الجودةِ إلَّا بوجودِ تخطيطٍ إستراتيجيٍّ؛ وعدم القفزِ إلى خططٍ تشغيليَّةٍ؛ ممَّا يحتِّم وجود ثغراتٍ كبيرةٍ لا تحقِّق رضا المستفيدِ، وبالتَّالي الإساءة لسُمعةِ الشَّركة، بل وكافَّة (منظومةِ الحجِّ والعُمرة).
ولعل أهم فوائد التخطيط الإستراتيجي، رفع كفاءة الأداء من خلال دراسة الوضع القائم في المنظمة أو المنشأة، والفرص المتاحة، ونقاط القوة، ونقاط الضعف، والتهديدات والفرص. ويجب أن يشترك فيها جميع المعنيين في الشركة: من القيادة العليا، والوسطى، والموظفين، بل والشركاء والموردين؛ لوضع رؤية، ورسالة، وأهداف، وقيم، وسياسات المنظمة، ونشرها على كافة المستويات؛ بحيث تصبحُ خارطةَ طريقٍ للأداء الأمثلِ؛ لأنَّها الميزةُ التنافسيَّةُ للشَّركةِ، وهذا يقودُ إلى تحسين سُمعة الشَّركة وزيادةِ الأرباحِ والتنبؤِ بالمشكلاتِ المستقبليَّةِ، والوقايةِ منها من خلالِ الفحصِ والتَّدقيقِ. بل حتَّى الشَّركات التي لديها خطَّة إستراتيجيَّة لابُدَّ من التَّعديل والتَّحسين المستمر عليها طبقًا للأحداثِ الجاريةِ، والتغيُّراتِ المحليَّة والعالميَّة، وبما يحقِّق مصلحةَ الشَّركةِ، والمستفيدين من خدماتِهَا.
والقيادةُ الإداريَّةُ هي محورُ النَّجاحِ لأيِّ منظَّمة أو منشأةٍ؛ لأنَّ القادةَ هم أصحابُ الصلاحيَّات، وبيدهِم اتِّخاذُ القراراتِ، وهم القدوةُ لكلِّ العاملِينَ بما يُفترض أنْ يمتلكُوه من حنكةٍ، وحكمةٍ، وبُعد نظرٍ، وبما يمتلكُون من تخطيطٍ وتحسينٍ للأنظمةِ، وتعزيزٍ للعلاقةِ مع الشُّركاءِ والمعنيِّين، بل الحث على الإبداعِ والتميُّز والابتكارِ في الخدماتِ.
وفي اجتماعِ وزارةِ الحجِّ والعُمرة موسم حجِّ ١٤٤٤، وبحضورِ سعادةِ وكيلِ الوزارةِ لشؤونِ الحجِّ الأستاذ عائض الغوينم، الذي أكَّد على تطويرِ آليَّاتِ الرقابةِ في الوزارةِ من اليدويِّ إلى الإلكترونيِّ، وبالفعل كانَ هناك قياسٌ لرضَا الحجَّاجِ بنظامٍ تقنيٍّ متطوِّرٍ، ظهرتْ نتائجه في نهايةِ الموسم.
ولكنَّ السؤالَ المهمَّ: ماذا عملت الوزارةُ وشركاتُ الحجِّ بتلكَ النتائجِ؟، حيث رأينا شركاتٍ عريقةً قد نزلتْ في أسفلِ قائمةِ التَّقويم، وشركاتٍ جديدةً صعدتْ للأعلَى!!، وكيف تمَّت الاستفادةُ من قياس الرِّضَا في كشفِ الثَّغراتِ؟، هل تمَّ الاجتماعُ مع كافَّة المعنيِّين لردمِ الفجواتِ؟.
إنَّ معظمَ الشَّركاتِ استخدمتْ نظامَ CRM الإلكترونيَّ لرصدِ البلاغاتِ شديدةِ الخطورةِ، وبعض الشَّركاتِ وصلت الشَّكاوى عندهَا بالآلافِ.. فهل تمَّ تحليلُ المشكلاتِ، وإيجادُ حلولٍ عمليَّةٍ إبداعيَّةٍ لردمِ الفجواتِ، وتقليلِ الجُهد والوقتِ، لنحقِّق الجودةَ، وننتقلَ ليس لرِضَا الحاجِّ، بلْ لإسعادِهِ وإبهارِهِ؟.