منذ الإعلان عن مسلسل (ثانوية النسيم) بمنصة (شاهد)، وصورة البوستر الدعائي مطبوعة بمخيلة المشاهد، يعد الأيام والليالي شوقاً لموعد عرضه، حيث لامس (البرومو) ذاكرتنا الدراسية المتخمة بالأحداث المشابهة حين أظهر: أنه يدور بمدرسة ثانوية تقع بحي النسيم، يواجه فيها الطلاب الهمجيون مدرسهم الجديد، الذي يحمل درجة الماجستير في إصلاح التعليم، ثم يتحداه الطالب (مشعل)، مهدداً بأنه سيجبره على الفرار من الثانوية قبل انتهاء السنة الدراسية، فيقبل الأستاذ (عبدالله) التحدي، لتبدأ معركة إصلاحية ونفسية وأخلاقية، يخوضها المدرس الشاب بهدف تقويم سلوك طلابه المبزوطين والعربجية!!
الغريب، أنه بمجرد عرض الحلقات الأولى من مسلسل (ثانوية النسيم) أطلت علينا آراء شاذة، تناشد بوقفه تحت ذريعة تفشي المشاغبة والمشاجرة بين الطلبة، لتأثرهم بشخصية (مشعل) وشلته الفاسدة، والحقيقة أن المسلسل لا يزال بمرحلة عرض وتحليل المشكلة، وكان حرياً بالتربويين الذين يطالبون بوقفه، أن يشكروا صناع العمل لسبرهم أغوار هذه المعضلة، وينتظروا مرحلة المعالجة والخاتمة، بدلاً من الاستسلام لعنجهية الطلبة والفرار المذل من المسؤولية والمواجهة!!
لقد ذكرني الأداء الملفت والمذهل للفنان نايف البحر، ذلك الشاب الطويل والأسمر، الذي يؤدي دور الطالب (مشعل)، ببدايات الأمبراطور والنمر الأسود أحمد زكي بفيلم (البرئ)، حين أشاد به النقاد الفنيون واتفقوا على أن (حتى قفاه كان يمثل)، كذلك نايف (مشعل) أبهر المشاهدين بروعة تمثيله وتجسيده للشخصية، خاصة وهو يتنقل بكل حرفية بين تناقضاتها، حيث يقنعك تارة بأنه الطالب المشاغب المستهتر المفحط الذي يقود شلته لحافة الهاوية، ثم ما يلبث أن يقنعك، بأنه شاب فيه خير وشيمة يساعد الضعفاء ويتجنب النظر للنساء، وقلبه يشع حباً وعطفاً تجاه عائلته، خاصة أخته المعاقة (شوق) التي يشعر بالذنب تجاهها!!
أيضاً الفنان خالد صقر، الذي لعب دور المدرس الجديد (عبدالله) أبدع كثيراً في مجاراة تحولات الشخصية، بين مدرس هادئ ومربٍ حازم وغثيث وزوج مهموم، كذلك الكاتب القدير علاء حمزة، رسم سيناريو مشوق ومطرز بشخصيات وأحداث وحوارات وعادات اجتماعية تلامس الواقع الذي نعيشه بخبرة واحترافية عالية، وقد ترجمت كل ذلك عدسة المخرج المتألق عبدالرحمن الجندل الذي وضعنا أمام مشاهد عفوية ومعبرة وغير متكلفة بعيدة عن الأنا والاستعراض والنرجسية، فيما تقمص بقية النجوم أدوارهم بكل فن ومهنية، خاصة: آلاء سالم (هيا)، عبدالله متعب (ملفي)، روان الطويرقي (شوق)، والمبدع سعيد صالح (والد ملفي)!!
لقد نجح مسلسل (ثانوية النسيم) في تسليط الضوء على المشكلة المستعصية بين طلاب صايعين ومعلمين متأففين هدفهم منصب على أداء حصص تعليمية دون أي أعباء تربوية، كما حاول المسلسل إيجاد حل مغاير وصادم، ربما كان مبالغاً فيه، خاصة حين يكثر المدرس الجديد زياراته لبيوت الطلبة ليسهر ويتعشى على حساب واجباته الأسرية، لكنه قد يكون نوعاً من الاستفزاز للمنظومة التعليمية لتحفيزها على تنظيم الهجمات المرتدة ضد الشلل الفاسدة، غير أن ذلك أشعل غيرة التربويين خلف الشاشة من شجاعة المدرس الجديد، فثار بركان الخوف الخامد بداخلهم، من أشباه (مشعل) وشلته، وأطلقوا مطالبتهم الشاذة بوقف عرض المسلسل و(الفرار من ثانوية النسم)!!