التاريخُ يؤخذُ كُلُّهُ، أو يُتركُ كُلُّهُ. تجزئةُ الأحداثِ، والتَّعاملُ مع الشخصيَّاتِ التاريخيَّة، لا يمكنُ أنْ يكونَ منطقيًّا في ظلِّ هوَى نفسٍ ورغبةٍ في تأطيرِ صورةٍ.
والدولةُ الأمويَّة كغيرهَا من الدُّول، مرَّت بحالاتِ ضعفٍ وقوَّةٍ، استطاعتْ اكتساحَ العالمِ كلَّه؛ لكنَّها هُزمتْ في معركةِ الزاب، رغم قلَّة عددِ قواتِ العباسيِّين.
لذلك، دراسةُ ما حدثَ في العهدِ الأمويِّ، من المهمِّ أنْ تعتمدَ على الظروفِ المحيطةِ في ذاكَ الزَّمن، وأنْ لا يتم إسقاطُهَا على أزمنةٍ أُخْرَى.
اعتمدَ الأمويُّونَ في حكمِهم على تهميشِ كلِّ العرقيَّاتِ غير العربيَّةِ، وإلغاءِ هويتهم كمواطنِينَ، والتَّعامل معهم كطبقةٍ لا يحقُّ لها أنْ تطمحَ للارتقاءِ والوصولِ لمراكزَ مهمَّةٍ في الدَّولة، فيما تمَّ تقديمُ العربِ من اليمانيَّةِ والقيسيَّةِ للحدِّ الذي جعلَ من المواطنةِ حكرًا على العربِ، والمناصب وكل شيء.
هذه السِّياسةُ نجحتْ لفترةٍ قصيرةٍ في التوسُّع والنموِّ الحربيِّ للدولةِ الأمويَّةِ، ولكنَّ النتيجة، بعد 92 عامًا، هي أنَّ الخليفةَ الأمويَّ مروان بن محمد في معركةِ الزاب، يُنادِي الميمنةَ لتتقدَّم ولا تُنفِّذ، فيُنادِي الميسرةَ للتقدُّم فلا تُلبِّي!!.
تخيَّلُوا أنَّ الخليفةَ مروان بن محمد يُرسل إلى قضاعة يأمرُهم بالنُّزولِ!! فيقولُون: قلْ لبنِي سليمٍ فلينزلُوا!!.
ويُرسل إلى السَّكاسِكِ أنْ احملُوا!! فيقولُونَ: قلْ لبنِي عامر فليحملُوا!!.
ويُرسل إلى السَّكونِ أنْ احملُوا!! فيقولُونَ: قلْ لغطفانَ فليحملُوا!!.
العصبيَّةُ القبليَّةُ نسفت الدولةَ، وكانتْ سببًا في النهايةِ المؤلمةِ للأمويِّين، وانتصارِ العباسيِّين.
هذا هو التَّاريخُ الحقيقيُّ، الذي يجبُ أنْ يُستفاد منه، لا شيءَ يُبرِّرُ الظُّلمَ واستعبادَ فئةٍ لفئةٍ أُخْرَى بحجَّةِ العِرقِ!!.
كانُوا جميعًا مسلمِين، لكنَّ نسبَهم كانَ -في نظرِ البعضِ- كفيلًا بتهميشِهِم!!.
أمَّا عن رموزِ تلك الدولةِ، فالحديثُ دائمًا عن الحَجاج بن يوسف الثقفي، هذا الرجلُ لَهُ مَا لَهُ وعليهِ مَا عليهِ، كان وفيًّا للخلافةِ، لكنَّه قتلَ وأسرفَ في القتلِ، كانَ ظالمًا، ولا يمكنُ تبريرُ ظلمِهِ بحجَّةِ أنَّ هناكَ ثوَّارًا!!.
في النهاية..
اقرأُوا تاريخَ الأمويِّين والعباسيِّين وغيرهم، وفقًا لمَا حدثَ في تلكَ المرحلةِ، لكنْ لا تستقطبُوا ما حدثَ هناكَ لزمنٍ آخرَ.