يتساءلُ كثيرُونَ، في ظلِّ رؤيةِ ٢٠٣٠، عن دورِ العقارِ، والنَّموذجِ الذي سيُسيطرُ علي التوجُّهِ الاستثماريِّ في السعوديَّةِ خلال السَّنواتِ المقبلةِ. والواقعُ أنَّ معظمَ الاستثماراتِ المستقبليَّةِ من طرفِ الدولةِ أو ذراعِهَا الاستثماريِّ، «صندوقِ الاستثماراتِ العامَّةِ»، هي في القطاعِ العقاريِّ، وفي صورةِ مشروعاتٍ ضخمةٍ موجَّهةٍ للسياحةِ وجذبِ الزوَّار، مثل القديةِ والبحرِ الأحمرِ والعُلا، على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، أو لإنشاءِ مدن جديدة ضخمة مثل نيوم، كما تم تغيير المدنِ الرئيسةِ في الغربيَّةِ، مثل جدَّة ومكَّة والمدينة. والعرفُ التقليديُّ في الاستثمارِ العقاريِّ في السعوديَّةِ كانَ من خلالِ تكوينِ المخطَّط وبيعِهِ، ثمَّ تداولِهِ، دونَ إحداثِ أيِّ تغييرٍ، حتَّى يصلَ للمستثمرِ النهائيِّ، والذي يقيمُ عليه مشروعَهُ. وحاولتْ شركاتٌ كُبْرَى أنْ تسيرَ في نفسِ الخطواتِ، ولكنْ لم تنجحْ في هذَا التوجُّهِ، مثل مدينةِ المعرفةِ، والمدينةِ الاقتصاديَّةِ؛ بسببِ تسعيرِ المخطط واستكمال تطويره وتوجيهه للمستثمر النهائيِّ، في ظلِّ توفُّر البديلِ في مختلفِ المدنِ التي تعملُ فيها، وتوفِّر مطوِّرينَ آخرينَ استطاعُوا جذبَ الآليَّةِ التي اعتادَ عليها المستثمرُونَ في القطاعِ العقاريِّ.
والسُّؤالُ: هلْ تنجحُ صناديقُ الدولةِ الاستثماريَّة في تحقيقِ التَّغييرِ بأسلوبِ وطريقةِ عملِ المستثمرِ السعوديِّ أو المحليِّ، في ظلِّ إخفاقِ الشَّركاتِ التي جلبتْ تجاربهَا الخارجيَّة إلى الدَّاخلِ، ولم تنجحْ؛ بسببِ أسلوبِ التَّسعيرِ وآليَّة العرضِ في ظلِّ توفُّر الأدواتِ وتطويرِ المشروعاتِ كمَا نرَى في نيوم، أو البحر الأحمر، أو القديةِ أو العُلا؟. حتَّى الآن لم يتم الإفصاحُ من قِبَلِ الصَّناديقِ الاستثماريَّةِ عن التوجُّهِ الإستراتيجيِّ الذي سيتمُّ، لجذبِ المستثمرِ المحليِّ، أو حتَّى الخارجي، فكلُّ ما نراهُ هو مشروعٌ ضخمٌ يتمُّ إنشاؤهُ بالكاملِ، ثمَّ الحديث عن تشغيلِهِ كليًّا أو جزئيًّا حتَّى يُحقِّقَ النَّجاحَ.
اعتادَ المستثمرُونَ العقاريُّونَ في النموذجِ القديمِ، وفي الحلقةِ الأخيرةِ، على تملُّكِ الاستثمارِ من طرفِ الفردِ، أو بعضِ الشَّركاتِ الخاصَّةِ. ومع الزَّخمِ القادمِ من أكبرِ مالكٍ عقاريٍّ -الدولة- ننتظرُ الإستراتيجيَّة وإتاحة الفرصةِ لصغارِ المستثمرِينَ في تملُّكِ أجزاءٍ من العقاراتِ المطوَّرةِ. ومن خلالِ تمليكِ الشُّققِ السكنيَّةِ لزيادةِ نسبةِ تملُّكِ السَّكن للمواطنِ، حيثُ خطت الدَّولةُ خطواتٍ كبيرةً في هذَا المجالِ. ويدورُ الحديثُ اليومَ حولَ خفضِ قيمةِ العقارِ، خاصَّةً مع زيادةِ العرضِ في السنواتِ المقبلةِ من خلالِ مشروعاتِ الدولةِ، فهل ستُتاحُ الفرصةُ لمَن تكونُ مدَّخراتُهُ محدودةً، وفي حدودِ المئةِ ألفٍ والمئتين، أنْ يتملَّك وحداتٍ سكنيَّةً تدرُّ عليهِ دخلًا؟.. ننتظرُ حتَّى تتَّضحَ لنَا توجُّهاتُ الصَّناديقِ الاستثماريَّةِ للدَّولةِ وعرضها للسُّوقِ العقاريِّ، ونوعيَّة الاستثماراتِ التي ستُتاحُ، لنحكمَ على الاتِّجاهاتِ المستقبليَّةِ.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
