(لنعيدَ للعُلا وهجهَا الحضاريَّ) عبارةٌ استوقفتنِي كثيرًا وتأملتُهَا بمشاعرَ تفوقُ الوصفَ، ولَا تعبِّرُ عنهَا الكلماتُ، وإنَّمَا هي حالةٌ شعوريَّةٌ تنتابُ الإنسانَ في حضرةِ الجمالِ الخارقِ، وهيبةِ المكانِ الذي حظيتُ بزيارتِهِ لأوَّل مرَّة في حياتِي، وكم كانتْ رحلةً مميَّزةً فاقتْ كلَّ توقعاتِي، إنَّها العُلا الوجهةُ السياحيَّةُ التي استقطبتْ أكثرَ من مليونِ زائرٍ عبرَ المطارِ فقطْ، كما شاهدتُ وتابعتُ في اللوحاتِ التي تزيِّن شوارعَ العُلا.. هذا المتحفَ الطبيعيَّ الفريدَ من نوعِهِ على كوكبِ الأرضِ هو الأكبرُ والأجملُ ليحكِي قصَّةَ إرثٍ متجدِّدٍ نابضٍ بالحياةِ.
في البلدةِ القديمةِ كانتْ بداية الرحلةِ، تجوَّلتُ ليلًا والأضواءُ الخافتةُ عادتْ بي للزَّمنِ القديمِ، وحالةُ الهدوءِ النفسيِّ، وتحدَّثتُ مع شبابِ وفتياتِ الوطنِ الذِين يعملُونَ بحرفيَّةٍ في استقبالِ ضيوفِهِم ويرسمُونَ أجملَ صورةٍ عن شبابِ الرؤيةِ الوطنيَّةِ المبهرةِ للعالمِ، وفي منتزَّهِ الشَّلالِ كانتْ نقطةُ الانطلاقِ الأُولى لرحلتِي السياحيَّةِ الصباحيَّةِ، وبينَ أحضانِ الجبالِ التي تعانقُ السَّماءَ كانت ساعاتُ الصباحِ الأُولى مختلفةً، ورأيتُ في عيونِ كلِّ مَن حولِي من أبناءِ الوطنِ ومن كلِّ الجنسيَّاتِ التي قدمِتْ للمكانِ حالةَ الانبهارِ وتوثيقَ اللَّحظاتِ التاريخيَّةَ في رحابِ هذَا المكانِ الجميلِ، وأكادُ أجزمُ أنَّني عشتُ أجملَ وجبةِ إفطارٍ، والجبالُ تحيطُ بي من كلِّ مكانٍ في عالمٍ عجيبٍ لمْ أرَ مثلَهُ في حياتِي. وفي زيارةٍ لموقعِ جبلِ الفيلِ كانَ هناكَ قصَّةٌ مع الجمالِ الأخَّاذِ، وبالقربِ من لحظاتِ الغروبِ، وبريقِ النجومِ، ونغماتِ الموسيقَى التي تأخذكَ لعالمِ الأساطيرِ، وتعبرُ بكَ الزَّمنَ في حالةٍ من التأمُّلِ والهدوءِ منقطعِ النَّظيرِ، وكأنَّكَ في جلسةٍ خاصَّةٍ لليوجَا والاسترخاءِ العميقِ. وفي تجربةٍ ثريَّةٍ ترجمت عبارة حيثُ الفنُّ بلا إطارٍ كانتْ تجربةُ -صحراءِ العُلا- وموعدٌ مع الفنِّ في قلبِ الصحراءِ تجربةً ملهمةً في هذهِ الأرضِ والتي تجعلكَ في كلِّ لحظةٍ تعيشُ حالةً من التأمُّل جديدةً لم تعهدهَا في حياتكَ إطلاقًا، ولا تجدُ لسانكَ إلَّا مردِّدًا سبحانَ الخالقِ الذِي أبدعَ فصوَّر، وترتقِي روحكَ نحوَ السَّماءِ لتعانقَ قممَ جبالِ العُلا الشَّامخةِ بأشكالِهَا التي تشكَّلتْ عبرَ آلافِ السِّنين.
(حاكِي الفن) في صحراءِ العُلا من شَبابِ الوطنِ -بنين وبنات- بُهرتُ بشخصيَّاتِهم وحضورِهِم وثقافتِهِم وتمكنِهِم من حرفةِ السيَّاحةِ والإرشادِ الفنيِّ، وبلغةٍ عربيَّةٍ وإنجليزيَّةٍ فائقةِ الجودةِ، نظرتُ حولِي ورأيتُ الجبالَ بكلِّ تضاريسِهَا تفخرُ بشبابِهَا، وهم يتحدَّثُون عن حضارتِهم وتاريخِهم ومستقبلِ العُلا بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ؛ لأنَّهم في أيدٍ أمينةٍ. تلفَّتُّ حولِي فوجدتُ وفودًا سياحيَّةً من جنسيَّاتٍ مختلفةٍ، وبلغاتٍ متنوِّعةٍ تعلُو وجوهَهم حالةٌ من الانبهارِ والغعجابِ والتقديرِ لكلِّ هذَا الجمالِ. الأعمالُ الفنيَّةُ كانتْ من فنانِينَ عالميِّينَ كلٌّ يريدُ أنْ يشاركَ في هذَا المعرضِ؛ لأنَّه يعيشُ حالةً خاصَّةً جدًّا مع الفنِّ في هذَا المكانِ الذِي لا مثيلَ لهُ على كوكبِ الأرضِ.
هنا الهيئة الملكية في العلا ترسم مستقبلاً مشرقاً لواجهة حضارية وثقافية وتاريخية ثرية، تستقطب السياح من كل قطر على كوكب الأرض بهمة تعانق السحاب، ولابد من استقطاب رجال الأعمال والمستثمرين في المستقبل القريب؛ لإقامة مشروعات ومنتجعات سياحية تفوق جودة كل ما عرفناه وشاهدناه في العالم؛ لأننا كسعوديين متميزون ومبهرون فيما نقدمه من تجارب إنسانية في كل المجالات، سوفَ أعودُ للعُلا مرَّاتٍ ومرَّاتٍ وكلِّي ثقةٌ بأنَّني سأجدهَا في كلِّ مرَّةٍ ترتدِي حُلَّةً جديدةً تليقُ بحاضرِهَا في ظلِّ قيادةٍ حكيمةٍ تستثمرُ مقوِّماتِهَا من أجلِ عزِّ ورفاهيَّةِ المواطنِ ودعمِ اقتصادِ الوطنِ.
تجربتِي مع المكانِ ومع الإنسانِ في العُلا تركتْ بصمةً قويةً سأظلُّ أعيشهَا وأحيَا بهَا، شكرًا من أعماقِ قلبِي لصديقتِي الغاليةِ من أهلِ العُلا -هدى عتيق- عرفتهَا منذُ أكثر من خمسة عشر عامًا في مؤتمرِ النانو في وزارةِ التَّعليمِ بالرِّياضِ عندمَا كنتُ مشرفةً للموهوباتِ، ولم نلتقِ بعدهَا إلَّا عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، وعبرَ الهاتفِ، وكم غمرتنِي بكرمِهَا وصحبتِهَا وطيبةِ قلبهَا وبمعيَّةِ أهلهَا! كمْ أنتمْ كرماءُ -أبناءَ وبناتِ العُلا- كعادةِ كلِّ سعوديٍّ يعيشُ في وطنِي الحبيبِ، ويترجمُ معانِي الأخوةِ والتلاحمِ والحبِّ الكبيرِ، ولنَا موعدٌ يتجدَّدُ مع إنجازاتٍ وطنيَّةٍ تعلنُ عنهَا قريبًا الهيئةُ الملكيَّةُ في العُلا، ونحنُ في انتظارِهَا بكلِّ شغفٍ وحبٍّ كبيرٍ، وللحديثِ بقيَّةٌ عن حُلَّةِ العُلا.