مَن منكُم جرَّبَ في بيتِهِ نقْعَ الأجبانِ الطَّازجةِ واللَّذيذةِ في ماءٍ دافئٍ، بعدَ شرائِهَا من المتجرِ، وقبلَ أكلِهَا مع الخُبزِ السَّاخنِ والشَّهيِّ؟.
أنَا فعلتُ ذلكَ بالأمس، إذْ اشتريْتُ بضعةَ أصابعٍ عريضةٍ من جُبْنةِ الحلَّومِ الشَّهيرةِ، والتِي أعشقُ أكلَهَا مشويَّةً مع زيتِ الزيتونِ، وفعلتُ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فقطْ كَي أطردَ الملحَ الذِي خالطَهَا، فأستمتعُ بزيادةِ لذَّتِهَا و(زقزقتِهَا) بينَ أسنانِي غيرِ اللبنيَّةِ، دونَ أنْ ترفعَ ضغطَ دمِي الذِي هُو فِي الأصلِ ليسَ ناقصًا، ولا يحبُّ الانضباطَ!.
في مرَّةٍ النقعِ الأُولى تحوَّل لونُ الماءِ إلى لونِ السَّحابِ الرماديِّ اللَّونِ الذِي يمتلئُ بالأمطارِ قبلَ هطولِهَا على الأرضِ، وكأنَّ الجُبنةَ صُنِعَتْ من الملحِ والغُبارِ مع نكهةِ الجُبنِ وليسَ العكس!.
وفي المرَّةِ الثَّانيةِ تحوَّل لونُ الماءِ إلى لونِ الضَّبابِ الذِي يغشَى جبالَ السُودةِ في عروسِ الجنوبِ السعوديِّ، مدينةِ أبهَا الجميلةِ، يعنِي كانَ لونُهُ خليطًا بينَ اللَّونَينِ الرماديِّ والأبيضِ، يعنِي ما زالَ هناكَ الكثيرُ من الملحِ!.
وفي المرَّةِ الثَّالثةِ استمرَّت عكورةُ الماءِ، وعدمُ صفائِهِ بنسبةٍ كبيرةٍ؛ بسببِ وجودِ ذرَّاتِ الملحِ التِي يبدُو أنَّها دخلتْ ضمنَ جزيئاتِ الجُبنةِ كمَا يدخلُ الجنِّيُّ العاشقُ جسدَ معشوقتِهِ من الإنسِ، فلَا يخرجُ من جسدِهَا إلَّا بالرُّقيةِ الشرعيَّةِ وقراءةِ القرآنِ الكريمِ!.
وبأكلِ الجُبنةِ بعدهَا استطعمتُ الكثيرَ من الملحِ، وأيقنتُ أنَّ هناكَ تحالفًا شيطانيًّا بينَ صُنَّاعِ الأجبانِ وبينَ صُنَّاعِ أدويةِ الضغطِ الذِي انتشرَ في مجتمعِنَا انتشارَ النَّارِ في الهشيمِ، والهدفُ هُو تجاريٌّ وتحقيقُ أرباحٍ فاحشةٍ، فصُنَّاعُ الأجبانِ يرفعُونَ ضغطَ المُستهلكِينَ، وصُنَّاعُ أدويةِ الضَّغطِ يبيعُونَهَا لهُم، بتناسقٍ وتناغمٍ كامِلَين، ومَا الأطبَّاءُ والصيدليَّاتُ إلَّا أدواتٌ بسيطةٌ في رُقعةِ شطرنجٍ يستفيدُونَ من ذلكَ بالمثلِ؛ كَي لا تكسدَ تجارتُهُم المتمثِّلةُ في الطبِّ وبيعِ الدَّواءِ!.
وما زالَ الملحُ سيِّدَ الموقفِ في صناعةِ الأجبانِ، يحفظهَا من التلفِ ويُتلِفُ أجسادَ مَن يأكلهَا، سواءً الطازجة منهَا أو المُعلَّبة، ويَا أمانَ عُشَّاقِ الأجبانِ!.