في أمسيةٍ متميِّزةٍ وتليقُ بمقامِ الشِّعرِ الذِي يخلدُ ذاكرةِ الزَّمانِ والمكانِ عبرَ العصورِ؛ وفي رحابِ الكليَّةِ التقنيَّةِ بالهيئةِ الملكيَّةِ بينبع الصناعيَّةِ، وبرعايةٍ فريدةٍ من نوعِهَا في كلِّ فعاليَّةٍ تُقام في هذه البقعةِ من وطنِي، الذِي لا يعرفُ إلَّا التَّميُّزَ في الأداءِ، والجودةَ والإتقانَ في المخرجِ، وها نحنُ اجتمعنَا في حبِّ ينبع، مدينةِ المستقبلِ والحاضرِ والماضِي، التاريخِ والحضارةِ والصناعةِ، والرافدِ القويِّ للاقتصادِ الوطنيِّ عبرَ السِّنين.
دعوةٌ كريمةٌ تقدَّم بهَا رائدُ الفكرةِ الرائعةِ في توثيقِ كتابةِ نصٍّ شعريٍّ فصيحٍ عن ينبع، بالتَّزامنِ مع عامِ الشِّعرِ العربيِّ، إنَّه ابنُ الوطنِ وفخرُ ينبع الدكتور سعد بن سعيد الرفاعي؛ لحضورِ هذهِ الأمسيةِ، وتدشينِ ديوانِ ينبع الشعريِّ، وختامًا لتجربةٍ فريدةٍ من نوعِهَا وإعلانِ أسماءِ الفائزِينَ وتكريمهم.
ومن أروعِ وأجملِ الأقدارِ أنْ يجمعَك اللهُ في بيئاتِ العملِ، وفي هذهِ الحياةِ بشخصيَّاتٍ تضيفُ لكَ بُعدًا ثقافيًّا وفكريًّا وأدبيًّا وعلميًّا ومهنيًّا، حظيتُ بالعملِ مع الدكتور سعد في مجالِ التَّخطيطِ والتَّطويرِ في إدارةِ تعليمِ ينبع، حقَّقنَا معًا منجزاتٍ موثَّقةً، ولقاءاتٍ علميَّةً، ومن أكثرِ التجاربِ العالقةِ في ذاكرتِي تجربةُ مسابقةِ البحثِ العلميِّ، وذلكَ الحِراكُ العلميُّ في الميدانِ التعليميِّ بينَ المعلِّمين والمعلِّمات، والمشرفِينَ والمشرفاتِ، وتنفيذ توجيهاتِ الوزارةِ في التخطيطِ والتطويرِ للعمليَّةِ التعليميَّةِ، وإعداد الخططِ التشغيليَّةِ للإدارةِ التعليميَّةِ، وتدريب الكوادرِ الإداريَّةِ، ومتابعة تنفيذِ المشروعاتِ الوزاريَّةِ بحرفيَّةٍ واقتدارٍ، ومنهَا النظامُ الفصليُّ، ونظامُ المقرَّراتِ، شخصيَّتانِ تركتَا بصمةً في مسيرتِي المهنيَّةِ في مجالِ التَّخطيطِ لهمَا كلُّ التَّقديرِ والاحترامِ الدكتور سعد الرفاعي، والأستاذة عائشة تركستاني، دومًا وأبدًا أردِّدُ اسميهمَا، وأدعُو لهمَا وأقولُ بكلِّ اعتزازٍ واعترافٍ بالفضلِ لأهلِهِ، كنتُ تلميذةً في مدرسةِ هؤلاء القادةِ من قياداتِ التعليم في وطني.
وقد جمعني بالدكتور سعد الشغف بالكلمة والحرف والفكر والثقافة، وهو رمز وطني يشار له بالبنان في مجال الأدب والشعر، وسيرته حافلة بالمنجزات والمشاركات الأدبية، وله حضوره الثقافي المميز، الذي يجعل كلماتي في هذه اللحظات تتراقص أمام عينيَّ، وتقف في حالة من العجز عن الوصف؛ لعلو قدره ومكانته.
فكرتُهُ في تفعيلِ مسابقةٍ لكتابةِ نصٍّ شعريٍّ عن مدينةِ ينبع لتطوفَ أرجاءَ الوطنِ العربيِّ، فيتغزَّل الشُّعراءُ من كلِّ قطرٍ عربيٍّ، وبمَن وصلتْ لهُم هذِهِ الرسالةُ من أبناءِ اللُّغةِ حتَّى أقصَى بقاعِ المعمورةِ من بلادٍ تفصلُ بيننَا وبينهم البحورُ والجبالُ، وهذَا مؤشرٌ على جهدٍ بُذل من أجلِ تفعيلِ هذهِ المسابقةِ؛ لأنَّها ينبع الغاليةُ على قلوبنَا جميعًا، فكمْ هِي الأفكارُ التِي تردُ علينَا في حياتِنَا كلَّ يومٍ، ولكنْ همَّة الرِّجالِ المخلصِينَ هِي مَن تحوِّل الأفكارَ إلى منجزاتٍ، وهذَا ما شهدنَاهُ بمعيَّةِ مَن يعرفُونَ قدرَ الرجالِ، ويتذوَّقُونَ جمالَ الحرفِ والكلمةِ التِي تلامسُ شغافَ القلبِ.
سوفَ أختمُ كلماتِي بمَا سطَّرهُ بَنَانُ شاعرِ ينبع وابنِهَا البارِّ الدكتور سعد الرفاعي، فليسَ بعدَ كلماتِهِ كلماتٌ:
وَتَسألُنِي أينبعُ كانَ نبعًا
أَم الأسماءُ من محضِ الخَيالِ؟
فقلتُ: بـ(يَائِهَا) يسرِي هَوَاهَا
و(نونِ) العينِ سكنَاهَا العَوَالِي
وباب (بائِهَا) فالحلمُ آتٍ
وَ(عين) للحياةِ بلا جِدَالِ
وحسبكَ فخرهَا صنعتْ رجالًا
لتبلغَ حلمَهَا بخُطا الرِّجالِ
من ديوانِ العشقِ ينبع
سلمَ لنَا هذَا الوطنُ الغالِي، وسلمتْ ينبع، وزادَ تألُّقهَا وتميُّزهَا بينَ منظومةِ عقدٍ فريدٍ من مدنِ المملكةِ، وتحديدًا في منطقةِ المدينةِ المنوَّرةِ، هذه ينبع عروسٌ تتزَّينُ في كلِّ ليلةٍ، ومع كلِّ مناسبةٍ ومَا أروعهَا وهي ترتدِي حُلَّةً مهيبةً بلغةِ الشُّعراءِ وباحتفائِهم بجمالِهَا وروعتِهَا.