مسلسلٌ سعوديٌّ بكوادرَ وطنيَّة واعدةٍ، يثيرُ الجدلَ والمتابعةَ، ومنذ بدايةِ عرض حلقاتهِ الأُولى، في البدءِ أخذتُ نصيحةَ ولدي على محملِ الجدِّ، وهو الشَّابُّ في مثلِ أعمارِ هؤلاءِ الشَّباب الذِين تناولَ المسلسلُ حياتَهم ونصحنِي بالمتابعةِ، كان عندي بعضُ التحفُّظ على الحلقتين الأولى والثَّانية، ولكنْ عاهدتُ نفسي بأنَّني سأقيِّم ما شاهدتهُ بعد نهايةِ العرضِ لآخرِ حلقةٍ، وهذا ما أفعلُه الآن، القصَّة محورهَا حياة طلابٍ في المرحلةِ الثانويَّةِ في حي من الأحياءِ، ذُكر بالاسمِ، وهو يمثِّل إحدى شرائحِ المجتمعِ التي تعيشُ على هذهِ الأرضِ المباركةِ، وهذَا واقعٌ في كلِّ المجتمعاتِ تباينٌ في الثقافاتِ والمستوى الثقافيِّ والاجتماعيِّ والأخلاقيِّ، ومن الطبيعيِّ وجود نماذجَ غيرِ سويَّةٍ، ولكن فيها خيرٌ كثيرٌ يمكن إصلاحُ المعوجِّ منهَا، وعدم الاستسلامِ لظروفِ البيئةِ المحيطةِ والفسادِ المجتمعيِّ وهذا درسٌ عظيمٌ قدَّمه المعلِّمُ المؤمنُ برسالتهِ وأهميَّة دورهِ ورهانهِ على النَّجاحِ بكلِّ شغفٍ وحبٍّ لمهنةِ هي الأَسمى في رسالتِها، المعلِّم لا يقدِّم معلومةً ودرسًا ينتهي بعدَ خمسٍ وأربعين دقيقةً عمر الحصَّة الدراسيَّة، المعلِّم الملهمُ -كما وصفَ المرشدُ الطلابيُّ في المسلسلِ- المعلِّم عبدالله والذي أتقنَ كثيرًا الممثل خالد صقر في أداءِ دورهِ باقتدارٍ وحرفيَّةٍ عاليةٍ ليعلنَ البدءَ لمواجهةِ معركةٍ إصلاحيَّةٍ ونفسيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ من أجلِ تغييرِ سلوكِ طلابِ أجمعَ كلُّ المحيطِين بهِم بأنَّهم فاشلُون ولا قيمةَ لهم.
المؤلف علاء حمزة، والمخرج عبدالرحمن الجندل أبدعا في توظيف الطاقات الشبابية، وتبني مواهبهم في أول ظهور فني لهما كشابين واعدين في أداء أدوار بطولية، واستطاعا إقناع المشاهدين بأنهما فعلا طالبان مشاغبان في مدرسة ثانوية، وإن كانت أعمارهما الحقيقية تجاوزت سن مرحلة الثانوية، وهذا أمر يمكن تجاوزه إن وضعنا فكرة أنهما مخفقان دراسياً وطال مقامهما على مقاعد الدراسة.
الدروسُ والعِبرُ التي تمَّ استخلاصهَا من ثمانِي حلقاتٍ لهذا المسلسل تستحقُّ أنْ يُسلَّط عليها الضُّوء إعلاميًّا وتربويًّا، ويُشادُ بها وإنْ واجهَ المسلسلُ بعضَ الانتقاداتِ، وتوقَّع بعضُ أفرادِ المجتمعِ أنَّ هذَا المسلسلَ تطاولَ على المعلِّم وهيبتِهِ والنِّظامِ التعليميِّ، لكنَّهم استعجلُوا في إصدارِ حكمِهم، ولم يشاهدُوا المشهدَ الأخيرَ الذي كانَ خاتمةً موفَّقةً وحكيمةً عندما صعدَ الطَّالبُ مشعل على المسرحِ في يومِ التخرُّج ليقولَ لمعلِّمهِ أنتَ مَن كسبتَ الرِّهانَ عندمَا تحدَّينَا وقلنَا لكَ أنتَ تحلمُ أنْ نصلحَ لكَ سيارتِكَ أو نسدِّد لكَ قيمةَ الفواتير، وها نحنُ اليوم نقولُ لكَ أنتَ مَن انتصرَ، وهذهِ قيمةُ تصليحِ السيَّارةِ التي قُمنا بتخرِيبهَا، كان الحلُّ الأسهلُ للمعلِّم لو استعجلَ في أخذِ حقِّه من المخرِّبين أنْ يبلغَ الشرطةَ ويسلِّمَ صورَهم ويتم معاقبتُهم، ولكنَّه تمالكَ أعصابَهُ وأعملَ عقلَهُ، الحديدُ يمكنُ إصلاحُه، والزُّجاجُ نعيدُ تركيبُه، ولكنَّ الإنسانَ إنْ كسرنَاهُ ودمَّرنَاهُ لنْ نستطيعَ تعويضهُ، الشَّبابُ هُم عمادُ الوطنِ، والحكيمُ من استطاعَ قراءةَ أفكارِهم ومخاطبتِهم باللُّغةِ التي يفهمُون، ومحاولة التقرُّب منهم نفسيًّا وعقليًّا وشعوريًّا.
المعلِّمُ الذي يدرسُ حالاتِ وظروفِ وبيئةِ طلابهِ ليسَ ترفًا، بل إحساسًا بمسؤوليَّتهِ تجاهَ طلابهِ، مَن يعشْ في بيئةٍ معدمةٍ ويعانِي من التفككِ الأسريِّ أو بيئةِ مخدراتٍ لابُدَّ أنْ يتأثَّرَ وحتَّى لا يقعَ هذا الشابُّ فريسةً لشياطينِ الإنسِ لابُدَّ أنْ تتَّحد جهودنَا جميعًا لنكونَ يدًا واحدةً نواجهُ كلَّ خطرٍ يحدقُ بجيلِ المستقبلِ. كلُّ شابٍّ، وكلُّ فتاةٍ هم أبناؤنا جميعًا، فهم أصدقاءُ فلذاتِ أكبادِنَا، فسادُ عضوٍ في المجتمعِ وانحرافُه عن الطَّريقِ القويمِ فسادٌ لجيلٍ بأكملهِ، وهذه رسالةٌ لابدَّ أنْ تصلَ لكلِّ مَن أرادَ اللهُ أنْ يتحمَّلَ أمانةَ التَّعليمِ في وطنِي. دورُ المؤسَّساتِ التعليميَّةِ دورٌ هامٌّ للغايةِ، وينبغِي لمَن ينتمِي إليهِ أنْ يعيَ ذلكَ جيدًا، وما أجمل الختام مع رحلةِ عامٍ دراسيٍّ نعانِي فيهِ كثيرًا مع الطُّلابِ بمخرجٍ تعليميٍّ تربطنَا به علاقةُ المحبَّةِ والاحترامِ والتقديرِ، وعلى مرَّ السنواتِ مازالَ التواصلُ بيني وبينَ طالباتِي قائمًا رغمَ أنَّني لم أطل المقامَ كثيرًا في الفصولِ الدراسيَّةِ كمعلِّمةٍ ولكنْ لي تواصلٌ آخرُ عبر بوابةِ التَّدريبِ ورعايةِ الموهوبِينَ، وما أجمله من دورٍ أعتزُّ بهِ، وأعيشُ معه أجمل الذكرياتِ واللحظاتِ.