* يُحكَى أنَّ رجلَينِ مريضَينِ كانَا يتشاركَانِ غرفةً واحدةً في أحدِ المستشفياتِ، (الأوَّل) منهمَا يعانِي من مرضٍ عضالٍ جعلهُ يرقدُ على ظهرِهِ ولا يستطيعُ الحِراكَ إلَّا قليلًا؛ أمَّا (الثَّاني)، وكانَ بجانبِ النافذةِ، فرغمَ ألمهِ إلَّا أنَّه كانَ يستطيعُ الجلوسَ على سريرهِ، ولذَا يظلُّ كذلكَ لبضعِ الساعاتِ من نهارهِ؛ ليتخلَّص من الماءِ المتجمِّعِ في رئتيهِ؛ بسببِ قلبِهِ الضَّعيف!.
*****
* ولأنَّهمَا فقَدَا مَن يزورهمَا، فلا تسليةَ لهمَا إلَّا تبادلُ الحديثِ طوالَ اليومِ، فـ(الرَّجلُ) الذي بجانبِ النافذةِ، كانَ يصفُ لـ(زميلهِ) ما يراهُ في الخارجِ، ومن ذلكَ: (حركةُ النَّاسِ، وذاكَ البطُّ في البحيرةِ الجميلةِ، التي تمتدُّ على جوانبِهَا الورودُ الملوَّنةُ، كما كانَ يرسمُ له بالكلماتِ تلكَ الأشجارَ الخضراءَ الباسقةَ، وأولئكَ الأطفالَ الذين يتراكضُونَ فرحًا بينهَا، باختصارٍ، (كانَ المجاورُ للنافذة ِعيونًا لصاحبهِ المُستلقِي على ظهرهِ بلا حِراكٍ، إذ ينقلُه كلَّ يومٍ في رحلةٍ للعالمِ الخارجيِّ)!.
*****
* مرَّت الأيامُ والشهورُ وهمَا على تلكَ الحالةِ، وذاتَ صباحٍ أسلمَ (الرَّجلُ المجاورُ للنافذةِ) روحَهُ بهدوءٍ وسلامٍ، فحزنَ عليهِ صديقُه وتألَّم؛ إذْ فَقَدَ أنيسَ وحدتِهِ؛ ثمَّ بعدَ أيامٍ طلبَ من الممرضةِ نقلَ سريرهِ بجانبِ النافذةِ علَّه يُروِّحُ عن نفسهِ، وما أنْ وضعتَهُ هناك، حتَّى تحاملَ علَى نفسهِ، ليرفعَ جسدَهُ المُنهكَ كي ينظُرُ للخارجِ!!.
*****
* ولكنَّهُ تفاجأَ بأنَّ النافذةَ تُطلُّ على (جدارٍ كبيرٍ)، فأخذَ يصرخُ مُناديًا الممرضةَ: ما الذِي حدثَ؟ كيفَ أصبحَ هذَا الجدارُ هنا؟! ردَّت عليهِ قائلةً: هذه النافذةُ هكذَا منذُ سنواتٍ، أجابهَا: (لا يمكنُ.. لا يمكنُ)، كانَ صاحبِي يصفُ لي النَّاسَ والبحيرةَ والحديقةَ والأشجارَ، و...، و...!!، عقَّبت الممرضةُ: يا سيِّدي هدِّئ من روعِكَ، فقدْ كانَ صاحبُكَ -رحمه الله- أعمَى، وقطعًا وصفَ لكَ تلكَ الأشياءَ من خيالِهِ!.
* أعزائي تلك (الحكاية) تؤكد لنا بأن محاولة زرع السعادة في قلوب الناس، ليس لها حدود، وأن لا علاقة لها بما نمتلك أو نعاني؛ فهذه دعوة صادقة لكم ولي؛ لكيما نرسم الفرح والتفاؤل والخير في هذا الكون؛ يكفِي أن الابتسامةَ البريئةَ (صدقة)، وهدية مجانية تمنح الدفءَ للآخرينَ، أرجوكم أصدقائي ابتسموا الآنَ.