لا شكَّ بأنَّ التقييمَ السائدَ في الميدانِ البشريِّ عندمَا يكونُ موجَّهًا لأقرانِهم البشريِّين سواء كانُوا رجالًا أو نساءً لا يخرجُ في غالبِ الأمرِ عن التقييمِ على أسسٍ بشريَّةٍ متغيِّرةٍ كالمنصبِ الإداريِّ كمديرٍ ووزيرٍ وقائدٍ وقاضٍ ورئيسٍ... وهكذَا، أو يقيم على أساسِ المكانةِ الماليَّةِ كرجلِ أعمالٍ ثريٍّ، أو منصبٍ اجتماعيٍّ اكتسبهُ من المجتمعِ، أو على أساسٍ علميٍّ كمخترعٍ ودكتورٍ وطبيبٍ ومهندسٍ وهكذَا. وغالبًا ما يكونُ هذَا المعيارُ متغيِّرًا يتأثَّر ولا يدومُ إلَّا نادرًا.
أمَّا التقييمُ الثابتُ الذي لا يتغيَّر فهُو المعيارُ الربانيُّ الذي يشملُ كافَّة البشرِ بمختلفِ شرائعِهم وطوائفِهم وأجناسِهم وألوانِهم، هذا المعيارُ الذي لا يتوقَّف بعدَ وفاةِ الإنسانِ كمَا هُو حالُ المعيارِ البشريِّ، بل يمتدُّ إلى اليومِ الآخرِ، ويكون جزاؤه دخولَ جنَّةِ الخلدِ التي أُعدَّت (للمتَّقِين)، هذَا المعيارُ هو التَّقوى الذي أصدرَ اللهُ تعالى قانونَه في كتابهِ الكريمِ وهو قولُه تعالَى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
ومن هذا المنطلق يستوجب على كل البشر الالتزام بمتطلبات هذا المعيار المستدام التي حددها الله تعالى في العمل الصالح، والقيم الفاضلة، والسلوكات الحسنة التي يجمعها في كتاب الله عبارة (الصراط المستقيم)، هذه المطالب بالطبع لا تقتصر على جوانب العبادة فقط، بل تمتد إلى كافة المعاملات البشرية الرسمية وغير الرسمية، فهذا المعيار الرباني أصبح من سنن الله في خلقه، ولعلَّ هذَا الأمرَ يجهلهُ أو يتجاهلهُ الكثيرُ من النَّاسِ وخاصَّةً في مجتمعاتِنَا الإسلاميَّةِ التي يهتمُّ أكثرُ أفرادِهَا بالشكليَّاتِ أكثر من المعاملاتِ والسلوكاتِ، فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ نجدُ أنَّ البعضَ ممَّن تقلَّد المعيارَ البشريَّ المتغيِّر ينسَى المعيارَ الثابتَ، فنجدهُ يتسلَّطُ ويتكبَّرُ ويظلمُ ويفسدُ ويعتدِي على الغيرِ وينهبُ أموالَ الغيرِ، ويغتابُ ويكذبُ ويبهتُ ويمارسُ كلَّ ما يخالفُ (الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ) الذي ندعُو اللهَ تعالَى أنْ يهدينَا إيَّاهُ في كلِّ ركعةٍ من صلواتِنَا، وهذا ما جعلَ هذَا المعيارَ البشريَّ المتغيِّرَ لا يدومُ، بل يزولُ أو يدمرُ.
ولعلَّ المؤسفَ والمحزنَ أنْ نرَى الأممَ الأُخْرى غيرَ الإسلاميَّةِ تلتزمُ بمطالبِ الصِّراطِ المُستقيمِ في سلوكِهَا ومعاملاتِهَا؛ لذا نجدهَا ترتقِي وتتقدَّم وتبدعُ وتنتجُ.. واللهُ من وراءِ القصدِ.