Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

فلندرك أنَّ العربية الفصحى لغة القرآن الكريم

A A
أثارَ مسلسلُ «الحشَّاشين» جدلًا واسعًا لاستخدامهِ اللهجةِ العاميَّةِ المصريَّةِ بدلًا من الفصحَى، رغم أنَّ مؤسسَ فرقةِ الحشَّاشين حسن الصباح الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصباح الحميري (430ه/ 1037م- 518ه/ 1124م)، ليسَ بمصريٍّ، فقدْ وُلد وتُوفِّي في فارس (إيران)، وذكرَ بعضُ المؤرِّخين أنَّه وُلدَ في قم، معقلِ الشيعةِ الاثني عشريَّة؛ ثم انتقلتْ عائلتُه إلى الري، مركزٍ لنشاطاتِ الطائفةِ الإسماعيليَّةِ، فاتَّخذ الطريقةَ الإسماعيليَّةَ الفاطميَّةَ وعمرُه 17 سنةً، ثمَّ أسَّس طائفةً باطنيَّةً شيعيَّةً إسماعيليَّةً نزاريَّةً، وكانَ يُلقَّب بالسيِّد أو شيخِ الجبلِ، وهو مؤسِّسُ ما يُعرفُ بالدعوةِ الجديدةِ أو الطائفةِ الإسماعيليَّةِ النزاريَّةِ المشرقيَّةِ أو الباطنيَّةِ أو الحشَّاشِين حسبِ التسميةِ الأوروبيَّةِ، التي اشتهرتْ ما بين القرنَين الـ5، والـ7 الهجريين، الموافق للقرنِين الـ11، والـ13 الميلاديين، وبشكلٍ خاصٍّ في إيران والشام، قامتْ على الاغتيالاتِ والإرهابِ، وتُعدُّ مصدرَ إلهامٍ في أساليبهَا للحركاتِ الإرهابيَّةِ حتَّى الآن، ولمْ تكنْ مصرُ ميدانًا لعمليَّاتهم الإرهابيَّةِ، وكانَ حسن الصباح يتحدَّث الفارسيَّةَ والعربيَّةَ، ولمْ يكنْ مقبولًا أنَّ السلاجقةَ (أتراك) يتحدِّثُون العاميَّةَ المصريَّةَ، وحكمهُم لم يمتدْ إلى مصرَ رغمَ اتِّساعِ رقعتهِ الذي شملَ في أوجِ ازدهارِهِ كافَّة إيران وأفغانستان ووسط آسيا، وصولًا إلى كاشغر في الشرقِ، فضلًا عن العراق والشام والأناضول غربًا، وصولًا إلى مشارفِ القسطنطينيَّة، فلا مبررَ على الإطلاقِ جعلَ شخوصَ المسلسلِ سواء كانُوا سلاجقةً (أتراكًا) أو فرسًا يتحدَّثُون اللهجةَ المصريَّةَ العاميَّةَ، ولا يتحدَّثُون العربيَّةَ الفُصْحى، لغةَ العلومِ والعلماءِ والفقهاءِ آنذاك، وكثير من علماءِ التفسيرِ والحديثِ من طبرستان وبخارى وسمرقند وبلادِ ما وراء النهرِ، وفارس، وحسن الصباح ذاته، كانُوا يتحدَّثُون العربيَّةَ الفُصْحى، ولكنَّ صنَّاع مسلسلِ الحشَّاشين جعلُوا الإمامَ أبا حامد الغزالي يتحدَّث بالعاميَّةِ المصريَّةِ في مجلسِ علمهِ!!.

يجبُ أنْ تدركَ الأمة جيدًا أنَّ اللغةَ العربيَّةَ هي لغةُ القرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ النبويَّةِ المطهرةِ، وقد اختارهَا الخالقُ -جلَّ شأنه- لتكونَ لغةَ كتابِهِ المبينِ، فقالَ سبحانَه: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)، فآياتُه المفصَّلةُ الواضحةُ التي اختارَ اللهُ لها اللغةَ العربيَّةَ الخالدةَ قد ميَّزت الحقَّ من الباطلِ، والخيرَ من الشرِ، والحلالَ من الحرامِ قال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

فالقرآن الكريم بلغته العربية البليغة، وأسلوبه الإلهي المشرق، أخذ بيد الإنسان إلى الفهم والتعقل والاعتبار والتذكر، ثم أخذ بيده إلى معرفة ربه وعبادته، وإلى الإيمان به وتقواه.. واللغة العربية هي أيضاً لغة الحديث النبوي الشريف الذي يمثل المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وهي كذلك لغة الأدب العربي الرفيع والحكم الفاضلة، ومن أجل هذه المكانة العالية، فإنَّ سلفنا أولوها كل عناية ورعاية، واللغةُ العربيَّةُ بمكانتِهَا الرفيعةِ العاليةِ ليستْ موضعَ مقارنةٍ مع أيِّ لهجةٍ عربيَّةٍ عاميَّةٍ.. فقدْ آلمتنِي كثيرًا مبرِّرات البعضِ لاستخدامِ اللهجةِ العاميَّةِ المصريَّةِ في المسلسلِ التاريخيِّ «الحشَّاشين» بدلَ العربيَّةِ الفُصْحى، ومن تلكَ المبرِّرات:

1- أنَّ «اللهجةَ العاميَّة المصريَّة» أسهلُ على المتلقِّي المصريِّ والعربيِّ، وأنَّه في الآونةِ الأخيرةِ باتَ مشاهدُون يجدُون صعوبةً في تلقِّي العربيَّة الفُصْحَى، وأنَّ الجيلَ الحاليَّ من الفنَّانِين غيرُ قادرٍ على تأديةِ أدوارٍ بالعربيَّةِ الفُصْحى.. فمعاهدُ الدرامَا تهملُ هذَا الجانبَ حاليًّا.

2- إنَّ استخدامَ اللهجةِ المصريَّةِ التي هي أكثرُ انتشارًا بأنَّه كانَ حلًّا دراميًّا، واستخدام اللغةِ العربيَّةِ الفصحى ربَّما يجدُ فيهِ المتابعُون صعوبةً في فهمِ الحوارِ.

فهذهِ المبرِّراتُ تدلُّ على مدى تقصيرنا - كأمة مسلمة - تجاهَ ديننَا ولغتنَا العربيَّةِ الفصحَى، ونجاحِ أعدائنَا في إبعادنَا عن ديننَا وطمسِ هويتنَا العربيَّةِ بإبعادنَا عن لغةِ القرآنِ الكريمَ، حتَّى أصبحَ أولادنَا لا يفهمونهَا، بغزوِ بلادنَا العربية بالمدارسِ الأجنبيَّةِ التي نحَّت اللغةَ العربيَّةَ جانبًا، وتدرس موادهَا بلغاتِ الدولِ التي تنتمِي إليهَا، فباتَ أبناؤنَا في العالم العربي لا يفهمُون العربيَّةَ الفصحَى ولا يحسنُون قراءتهَا وكتابتهَا، ولا يفهمُون القرآنَ الكريمَ، ولا يحسنُون قراءتهُ، ومن أجلهِم تمَّ استبدال باللغةِ العربيَّةِ الفصحى في مسلسلِ «الحشَّاشين»، ومن قبلهِ مسلسل «الإمام الشافعي» العاميَّة المصريَّة باعتبارهَا أقربَ لفهمِهم، وبدأت دعواتٌ لاعتمادِ العاميَّة المصريَّة في الأعمالِ الدراميَّةِ التاريخيَّةِ، دونَ البحثِ في الأسبابِ التي أوصلتنَا إلى هذَا.

مع أنَّه بالأمسِ القريبِ كانَ برنامجُ الأطفالِ: «افتح يا سمسم» باللغةِ الفُصحَى، وجميعُ أفلامِ الكرتونِ كانتْ تدبلجُ بالفُصحَى، وكانُوا يفهمُونَهَا حتَّى الذين لم يبلغُوا سنَّ المدرسةِ. وممَّا يثيرُ الدهشةَ أنَّ معظمَ أغانِي الأستاذِ كاظم الساهر قصائدُ باللغةِ العربيَّةِ الفصحَى يفهمهَا معجبُوه، ويردِّدونهَا معه في حفلاتِهِ التي يحييهَا في البلادِ العربيَّةِ، وفي تركيا وأوروبا وأمريكا، في حينِ لا يفهمُون اللغةَ الفُصحَى في الأعمالِ الدراميَّةِ التاريخيَّةِ.. فالمبرراتُ على استبدالِ العاميَّةِ بالفصحَى غيرُ مقبولةٍ.

للحديثِ صِلَةٌ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store