في شهرِ رمضانَ الحاليِّ اُضطرِرْتُ مُكرهًا لا بطلًا لاستعادةِ نشاطِي السَّابقِ في شراءِ الموادِّ الغذائيَّةِ لبيتِي وأهلِ بيتِي من البقالاتِ والسوبر ماركت، وما ذاكَ إلَّا بسببِ سفرِ سائقِي العزيزِ وتمتُّعه بإجازتِهِ، وهُو الذِي كُنْتُ قد أوكلتُهُ أمرَ الشِّراءِ من ألِفِهِ لِيائهِ، وكمْ أتمنَّى عودتَهُ سريعًا؛ كَي أعودَ لحالةِ الكسلِ الجميلِ والتفرُّغِ لنشاطاتِي الحياتيَّةِ الأُخْرى!.
ويبدُو أنَّ انقطاعِي الطويلَ عن الشِّراءِ بنفسِي قدْ أفقدَنِي خبراتِي في الموادِ الغذائيَّةِ، وجعلنِي مثلَ خرِّيجٍ فاقدٍ للخبرةِ، وباحثٍ عن وظيفةٍ بين أشخاصٍ مُدجَّجين بالخبراتِ المُكتسبةِ والطويلةِ، ممَّن لا طاقةَ لِي بالتفوُّقِ عليهِم مهمَا بذلتُ من جهودٍ خارقةٍ، واللهَ أسألُ أنْ يُعينَ الخرِّيجين العاطلِين في كلِّ مجالاتِ الوظائفِ والتَّوظيفِ!.
وبالأمسِ صدرتْ تعليماتٌ عُليا من أهلِ بيتِي لشراءِ كُزبرةٍ وبقدونس لإعدادِ سلطةِ التبُّولةِ الخضراءِ المهمَّة جدًّا والصحيَّة للصَّائمِ في شهرِ رمضانَ، فذهبتُ لقسمِ الخضراواتِ في السوبر ماركت، وكُنتُ أنَا الرجل الوحيد بينَ مجموعةٍ من النساءِ المتسوِّقاتِ من بلادِ الشَّامِ، وعندَ رفوفِ الورقيَّاتِ الخضراء لم أستطعْ التَّفريقَ بينَ الكُزبرةِ والبقدونس المتشابهتَيْن تمامًا وكأنَّهما توأمٌ سياميٌّ بنزْرٍ يسيرٍ من الاختلافاتِ قبلَ فصلهمَا بعمليَّةٍ جراحيَّةٍ كُبْرى، ولم يُكلِّف السوبر ماركت نفسَهَ بوضعِ لوحةٍ مكتوبٍ فيها اسمهمَا، فسألتُ إحدَى النسوةِ الشَّاميَّاتِ: لو سمحتِ، أيُّ واحدةٍ هي الكُزبرةُ وأيُّ واحدةٍ هي البقدونسُ؟ فأشارتْ إليهمَا وعرَّفتنِي بشخصيَّتيهمَا الكريمتَيْن، فبدأتُ في انتقاءِ الجيِّدِ منهمَا، ثمَّ سمعتُ مُرافِقةَ المرأةِ التي سألتُها وهِي تقولُ لهَا شبه هامسةٍ ومُستغربةٍ باللهجةِ الشَّاميَّةِ الجميلةِ: (معئولة مُشْ عارف الكُزبرةَ من البئدونسِ، كأنَّه صبيٌّ صغيرٌ مُو رِجَّال كبير)، فتقبَّلْتُ الانتقادَ بسرورٍ، ثمَّ اختفيْتُ من الحياءِ الشديدِ وسطَ الزحامِ!.
والحمدُ للهِ كثيرًا على ما نتمتَّع بهِ في ربوعِ بلادنَا من أمنٍ وأمانٍ واستقرارٍ وخيراتٍ كثيرةٍ من الطَّعامِ، ممَّا تأتينَا رغدًا من كلِّ مكانٍ، وأسألُ اللهَ العظيمَ أنْ يمنَّ بالمثلِ على أهلِ فلسطينَ وخصوصًا أهلَ غزَّة بالسَّلامِ وإيقافِ الحربِ المجنونةِ، والنجاةِ من براثنِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، وخططِ الإبادةِ والتهجيرِ القسريِّ، والعقابِ الجماعيِّ، والتوسُّع اليهوديِّ البغيضِ، إنَّ اللهَ قريبٌ مُجيبٌ، لطيفٌ خبيرٌ.