Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

حلوان 300

A A
لا يخفى عليكم أن من أهم مكونات الحرب النفسية على أي أمة؛ هي زرع الإحباط بأشكاله وأنواعه المختلفة.. وإحدى انعكاسات نجاح جهود تلك الحرب؛ هو أننا نجد صعوبة في تقبُّل قصص النجاح التاريخية والحديثة في العالمين الإسلامي والعربي، وإليكم هذا المثال من عالم الطيران: أحد الأخبار التي فاجأت عالم صناعة الطيران الحربي العالمي في منتصف الستينيات الميلادية؛ هو أن مصر الشقيقة كانت ستنافس الدول العظمى في تصنيع طائرة مقاتلة اعتراضية متطورة بمواصفات مذهلة.. سرعة تفوق سرعة الصوت، وعلى ارتفاع يفوق ثلاثين ألف قدم، وبتكلفة منخفضة، واعتمادية عالية، وسهولة في التشغيل والصيانة، وكانت بصمتها على الرادار منخفضة بسبب حجمها الصغير، إذ لم يتعدَ طولها ضعف طول سيارتي «لاند كروزر».. وكانت من أصغر المقاتلات في العالم.. وسأعود إلى تفاصيل الطائرة بعد 178 كلمة من هذه النقاط.. بعض من أشهر شركات تصنيع الطائرات سُمّيت على اسم مؤسس الشركة.. «بوينج» على اسم وليام بوينج.. «دوجلاس» على اسم دونالد دوجلاس.. لوكهيد على اسم الأخوين آلان ومالكوم لوكهيد.. هناك شركة منسية تفوقت على الجميع في أدائها تاريخياً، وهي شركة «ميسرشميت» المنسوبة لصاحبها «ويلي ميسرشميت» الألماني.. صمم هذا العبقري أكثر الطائرات المقاتلة مبيعاً في العالم من طراز «إم إي 109».. كانت مقاتلة سابقة لزمانها، وأصبحت عماد القوات الجوية الألمانية منذ منتصف الثلاثينيات الميلادية، وتألقت في الحرب الأهلية الإسبانية، ثم الحرب العالمية الثانية بمختلف ميادينها.. وصنعت الشركة أكثر من أربعة وثلاثين ألفاً من ذلك الطراز.. وهذا يفوق عدد المقاتلات التي صنعتها الشركات الأمريكية، والأوروبية، والسوفيتية، واليابانية، والإيطالية.. وهناك المزيد.. ففي أبريل 1944 صنعت الشركة أول طائرة نفاثة في العالم من طراز «إم أي 262».. وصممت وصنعت المقاتلة الصاروخية الوحيدة في التاريخ وكانت من طراز «كوميت 163».. يعني باختصار كانت متقدمة عن الجميع في قطاع الطيران الحربي كماً ونوعاً. وبعد انتهاء الحرب وخسارة ألمانيا، تم سجن صاحب الشركة، ومُنع عن الخوض في صناعة الطائرات. وبعدما أُطلق سراحه بنهاية الخمسينيات، حصل على دعوة لتصنيع الطائرات الحربية في إسبانيا، فبدأ ببرامج طموحة، ولكنه لم يكمل المشوار.. وانتقل نشاطه إلى مصر الشقيقة، وبدأت أنشطة لتصنيع الطائرات في بداية الستينيات. فقام المصمم الألماني وفريقه الفني بالاشتراك مع مجموعة مصرية متميزة لتصميم وتصنيع الطائرة النفاثة المتطورة، وأطلقوا عليها اسم «حلوان 300»، نسبةً إلى مصنعها في جنوب شرق القاهرة، وهي معروفة أيضاً باسم «القاهرة 300». وزودت مبدئياً بمحرك «رولز رويس» بريطاني، ثم بسبب موقف بريطانيا من مصر، تم استبداله بمحرك نفاث متطور من صناعة مصرية تحت إشراف العالم النمساوي الرائد «فردناند برادنر».. ولكن المشروع توقف بنهاية عام 1969 لعدة أسباب، منها إرهاق الميزانية المصرية بتكاليف نكسة حرب 1967، ومنها أيضاً تدخُّل الاتحاد السوفيتي لتوفير مقاتلة منافسة وهي «الميج 21» المتقدمة؛ بأسعار زهيدة جداً. وتسبب ذلك في قتل الجدوى الاقتصادية للطائرة المصرية، وهناك أيضاً بعض القصص التي تشير إلى تدخُّل الاستخبارات الإسرائيلية لوقف تصنيع الطائرة عن طريق التخويف والتهديد للفرق الفنية الألمانية العاملة في مصر.

الشاهد أن المشروع توقف تماماً بعد إنتاج ثلاث طائرات للتجارب، وأشهرها موجودة في متحف الطيران في مدينة «ميونيخ» الألمانية.

* أمنيـــــــة:

لا شك أن قصص التفوق الإسلامي والعربي عبر التاريخ كثيرة.. أتمنى أن نعلمها، وندرك أهميتها، وأن ندوّنها للنهوض، بالمزيد من التطور، لأن محاولات الإحباط ذكية جداً، ومدروسة، وجنودها كثيرون. أتمنى أن يقينا الله شرورهم، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store