أواصل الحديث عن الجدل الذي أثاره المسلسل التاريخي «الحشاشين» لاستخدامه اللهجة العامية المصرية بديلة للفصحى، وقد بيّنتُ خطورة ذلك في الأعمال الدرامية التاريخية تحت ذريعة صعوبة فهم أبناء وبنات هذا الجيل للغة العربية الفصحى، وعدم إتقان كثير من الممثلين والممثلات لها، وفات هؤلاء المبرِّرون أنّ اللغة العربية الفصحى هي لغة القرآن، وعدم فهمنا لها يعني عدم فهمنا للقرآن، ومن محاسن الصدف أنّه أثناء كتابتي للمقال كان بطل مسلسل الحشاشين ضيفًا في برنامج تحدث فيه عن فيلم (ابن العم)، فقال: بأن المخرج طلب منه أن يتعلّم العبرية، لأنّه سيتحدث بها في الفيلم، وأمضى شهرًا ونصف يتعلمها على يد أستاذ لها في جامعة القاهرة، فمن باب أولى تعليم الممثلين المشاركين في الدراما التاريخية، «العربية الفصحى».
وأذكركم بما قاله رئيس وزراء بريطانيا وليم جلادستون (29 ديسمبر 1809 - 19 مايو 1898) في مجلس العموم البريطاني بعدما حمل القرآن بيده: «إنّنا لا نستطيع القضاء على الإسلام والمسلمين إلا بعد القضاء على ثلاثة أشياء: صلاة الجمعة، والحج، وهذا الكتاب، فقام أحد الحاضرين ليُمزِّق القرآن فقال: ما هكذا أريد يا أحمق، إنِّي أريد تمزيقه في قلوبهم وتصرفاتهم». وقال أيضًا: »ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق. ويقول المُنصِّر وليم جيفورد بالكراف: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه».
واستمرار المؤامرات لمحاربة القرآن ولغته ظهر أيضاً من خلال فرقة البهائية، وهي من الفرق الشيعية التي خرجت عن الملة، والتي أسسها المدعو «حسين بن علي» ولُقِّبَ «ببهاء الله»، وطُرِد في عصر الدولة العثمانية من إيران، فلجأ إلى اليهود، فاصطحبوه إلى قبرص حيث أسس لدعوته، ثم ذهب إلى عكا 1868م، وبدأ يقول: إنّ حركته ليست فرقة من الإسلام، بل هي دين جديد، وادّعى أنّه أُنزِلَ عليه كتاباً أسماه «الأقدس»، ولننظر جيدًا لمعنى الاسم، فهو على وزن «الأفعل»، وهي ما تُعرف في العربية بـ«أفعل التفضيل»، أي أنّ الكتاب السابق «القرآن» مقدَّس، ولكن هذا الكتاب هو الأقدس منه. وقد هلك المدعو بهاء الله 1892م بعد أن ظل حبيسًا يعاني من الجنون عدة سنوات. واستمرت محاولات هدم القرآن، فظهر الهندي «سلمان رشدي» الذي وصف القرآن الكريم بالآيات الشيطانية، ثم ظهر في نهاية الثمانينيات المدعو رشاد خليفة الذي قال: «إنّ القرآن مبني على نظام حسابي تعلمه محمد، يعتمد على رقم تسعة عشر». ثم ادّعى النبوة. وامتدت مؤامرات الهدم إلى تحريف إسرائيل للقرآن الكريم، ففي الفترة من 28 فبراير 1970م حتى 25 مارس من نفس العام انعقد في القاهرة فعاليات مؤتمر علماء المسلمين الخامس بحضور 100 عالم من 36 دولة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، لمناقشة الجرائم الصهيونية، وقدمت 10 أبحاث عن إسرائيل وجرائمها وواجب المسلمين في المقاومة، وقد طُبِعَت هذه الأبحاث في كتاب من مائة صفحة.. وكان من ضمنها بحث شديد الخطورة قدمه الدكتور أحمد إبراهيم مهنا عضو مجمع البحوث الإسلامية بعنوان: جرائم الصهيونية ضد القرآن الكريم، وقد ذكرت حينها جريدة الأهرام أنّ الدكتور أحمد مهنّا طالب بأن يصدر المؤتمر قرارًا بمصادرة المصاحف المحرّفة أو المكتوبة بخط إملائي أو المطبوعة في الخارج على صفحة واحدة، ولم يعرف المصريون حينها تفاصيل ذلك البحث الخطير الذي قدمه الدكتور مهنا عام 1970م، إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وأعطى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب توجيهات بنشر أهم الموضوعات في تاريخ المؤسسة الأزهرية التي تعمل على إحياء القضية.
وكانت بداية تحريف اليهود للقرآن في أواخر الستينيات في القرن الماضي عندما وصلت إلى إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية نسخة من المصحف طُبِعت على ورق مصقول وبألوان مختلفة تغري بالقراءة، وعند الفحص تبين أنّها مليئة بالأخطاء التي تغير المعنى في كثير من المواضع، ومنها تحريف قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)؛ إذ حذفوا كلمة (ولعنوا) واستبدلوها بـ»وَأُمِنُوا».. وأيضاً حذفهم لكلمة (غير) في قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).. وهذا أمر جد خطير، فإنّ أولادنا الذي بعدوا عن القرآن ولغته، لن يفطنوا إلى هذا التحريف.
فالدعوة إلى استخدام العامية بدل الفصحى خطر يباعد بيننا وبين ديننا، وأدبنا العربي، كما يعمل على فك أهم روابط التضامن الإسلامي والوحدة بين البلاد الإسلامية.. لذا أقترح الآتي:
1- أن تلزم وزارات التعليم والتعليم العالي المدارس والمعاهد المصرح لها في أي بلد عربي أن تتضمن مناهجها الدراسية مواد اللغة العربية والقرآن والحديث وباقي المواد الدينية، ويدرسها عرب مسلمون من أبناء البلد التي بها المدرسة، أما الجامعات والكليات الأجنبية فتلزم بتدريس المواد المتعلقة باللغة العربية والدين والتاريخ الإسلامي باللغة العربية.
2- أن تعمل وزارات التعليم والتعليم العالي في البلاد العربية على تقوية وتطوير المناهج الدراسية لجميع المواد بما فيها مواد اللغة العربية واللغات الأجنبية؛ بحيث تكون أقوى من مناهج المدارس الأجنبية، وأن تجعل اللغة العربية الفصحى هي لغة التحدث بها في الفصول الدراسية ومدرجات الجامعات باستثناء دروس اللغات الأجنبية.