ثبتَ وفقَ دراساتٍ بيولوجيَّةٍ على عيناتٍ بشريَّةٍ في أمريكا، أنَّ هناكَ عواملَ متعدِّدةً عُرفتْ باسمِ أنماطِ الحياةِ «style of life» تكونُ سببًا في إطالةِ العمرِ البيولوجيِّ -بإذنِ اللهِ- وهي: (النومُ، الغذاءُ، الرياضةُ، الرَّاحةُ النَّفسيَّةُ، العلاقاتُ الاجتماعيَّةُ)، وشرحتُ -في مقالٍ سابقٍ- التفسيرَ العلميَّ لزيادةِ العُمرِ البيولوجيِّ بشكلٍ عامٍّ، وزيادةِ العمرِ البيولوجيِّ للأعضاءِ، من خلالِ النظريَّةِ الحديثةِ تحتَ عنوان «مَا فوقَ الوراثةِ epigenatic theory».
في أحدثِ دراسةٍ قدَّمتهَا جامعةُ هارفارد، أوضحتْ أنَّ الرجالَ والنساءَ الأكثرُ محافظةً على أنماطِ الحياةِ ذاتِ الجودةِ كانُوا أقلَّ عرضة للوفاةِ؛ بسببِ أمراضِ القلبِ الوعائيَّةِ بنسبةِ 82%، وأقلَّ احتمالًا بأنْ يكونَ سببُ وفاتِهم نتيجةَ الإصابةِ بمرضِ السرطانِ بنسبةِ 65%، والعاملُ الأكثرُ حظًّا من أنماطِ الحياةِ الذي له دورٌ كبيرٌ في إطالةِ العمرِ البيولوجيِّ وفقَ دراسةٍ هو نمطُ الحياةِ الاجتماعي (العلاقاتُ الاجتماعيَّةُ)، فالعيِّناتُ البشريَّةُ التي تميَّزت بعلاقاتٍ اجتماعيَّةٍ وترابطٍ اجتماعيِّ خاصَّةً في إطارِ الأُسرةِ والعائلةِ وزملاءِ الحياةِ، كتبَ اللهُ لهَا عمرًا بيولوجيًّا أطولَ، مقارنةً بالعيِّناتِ البشريَّةِ التي اتَّسمتْ حياتُها الاجتماعيَّةُ بالعزلةِ والانفكاكِ والتباعدِ وعدمِ التواصلِ الاجتماعيِّ، ولا شكَّ أنَّ المشاركةَ الاجتماعيَّة الحيَّة بلقاءِ النفوسِ والأرواحِ والأجسادِ والعيونِ والقلوبِ -وليسَ عبرَ السمَّاعاتِ والشَّاشاتِ فقط- تكونُ ذاتَ فاعليَّةٍ يصلُ اثرهَا إلى كلِّ عضوٍّ في جسمِ الإنسانِ، بلْ إلى كلِّ خليَّةٍ من خلايَاه؛ لأنَّ الجزيئاتِ البيولوجيَّةَ تتفاعلُ وتتجاوبُ مع الأحاسيسِ والمشاعرِ مثلِ الودِّ والرحمةِ، وذبذباتِ شغافِ القلبِ وعطاءاتِ نسماتِ الروحِ عبرَ التواصلِ الاجتماعيِّ؛ ممَّا يزيدُ في عمرِ خلايَا الجسمِ بيولوجيًّا.
من أجلِ ذلكَ أوجبَ اللهُ -سبحانَه وتعالَى- ضرورةَ التواصلِ الاجتماعيِّ بقولِهِ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وجعلهُ عبادةً وحقًّا للوالدَينِ، والإخوانِ والأخواتِ، والأعمامِ والعمَّاتِ، والخيلانِ والخالاتِ، وجميعِ الأقاربِ، والجيرانِ، والصاحبِ بالجنبِ، وجعلَ صلةَ الأرحامِ والأقاربِ سببًا في زيادةِ العُمرِ، كمَا قالَ -عليهِ الصَّلاةُ السَّلامُ- في الحديثِ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ لَهُ في عُمرِهِ ويوسَّعَ لَهُ فِي رزقِهِ ويُدفعَ عَنهُ مِيتةُ السُّوءِ فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رحمَهُ».
وحثاً للتحقيق العملي لصلة الرحم وتطبيقه اجتماعياً، شرع الله مناسبتين اجتماعيتين هما: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ لتطبيق التواصل الاجتماعي، وجعل صيامهما حراماً، وجعل أول عمل في بداية العيد إشهار التكبير، ومن ثمَّ صلاة العيد، وجعل صيغتها تختلف عن الصلاة العادية، ومسبوقة بالمشاركة الاجتماعية بالتكبير، وهي أقوَى تواصلٍ اجتماعيٍّ لأهلِ الحيِّ الواحدِ بحضورِ حتَّى النساءِ ومشاركتهنَّ الصلاةَ، ولو كانَ عليهنَّ العُذرُ، إنَّما يحضرنَ للمعايدةِ ومشاهدةِ المنظرِ الاجتماعيِّ، ورؤيةِ نساءِ الحيِّ، وتبادلِ عباراتِ المحبَّةِ والمودَّةِ، والكلُّ يومَ العيدِ مبتهجٌ فرحٌ يردِّدُ عباراتِ: «عيدُكم مباركٌ»، «وكلُّ عامٍ وأنتُم طيِّبون»، وأنَا أقولُ لَكُم في آخرِ المقالِ: «كلُّ عامٍ وأنتُمْ بخيرٍ، وعساكُم مِن عوَّادهِ، وأعادَهُ اللهُ علينَا وعليكُم مرَّاتٍ ومرَّاتٍ، والوطنُ يرفلُ بكلِّ أمنٍ وأمانٍ في ظلِّ قيادتِنَا الحكيمةِ خادمِ الحَرمَين الشَّريفَين ووليِّ عهدهِ الأمينِ».