جهودٌ مقدَّرةٌ ومضنيةٌ بذلهَا رجالُ الأمنِ الأشاوسُ في مكَّة المكرَّمة خلالَ موسمِ العُمرةِ الحالي؛ لمساعدةِ قوافلِ ضيوفِ الرحمنِ على أداءِ مناسكِ العُمرةِ في أجواءٍ من الطمأنينةِ والأمنِ والراحةِ، بعد أنْ قامت السلطاتُ السعوديَّةُ بتوفيرِ كافَّةِ معيناتِ النجاحِ، وهيَّأت جميعَ السُّبلِ حتَّى يخرجَ هذَا الموسمُ الروحانيُّ بأفضلِ ما يمكنُ.
ورغمَ تزايدِ أعدادِ المعتمرِينَ، إلَّا أنَّ الصورةَ العامَّةَ كانتْ في غايةِ الروعةِ والتجويدِ، حيثُ لم يتم رصدُ أيِّ شكلٍ من أشكالِ التدافعِ، فكلُّ شيءٍ كانَ يجرِي بدقَّةٍ متناهيةٍ، وكانت كلمةُ السرِّ في هذَا النجاحِ الباهرِ هِي تفوقُ العنصرِ البشريِّ، وما أظهرَهُ منسوبُو وزارةِ الداخليَّةِ من احترافيَّةٍ عاليةٍ في التعاملِ مع مختلفِ الأوضاعِ وفي كافَّةِ الظروفِ، بصبرٍ وأناةٍ وسعةِ صدرٍ غيرِ مستغربةٍ على مَن اختصَّهم اللهُ بمدِّ يدِ العونِ لضيوفِهِ، وفي رحابِ بيتهِ الحرامِ.
لمْ يأتِ هذَا النجاحُ بطبيعةِ الحالِ من فراغٍ، ولم يتحقَّق عن طريقِ الصدفةِ، بل كانَ نتاجًا لتخطيطٍ علميٍّ دقيقٍ؛ اتَّبعتهُ وزارةُ الداخليَّةِ من سنواتٍ عديدةٍ، وتميُّز عناصرِ الوزارةِ الذِين يدركُون أنَّ مَا يقومُون بهِ ليسَ مجرَّد عملٍ روتينيٍّ، أو أداءٍ لمهام وظيفيَّةٍ، إنَّما هُو في المقامِ الأولِ عبادةٌ، يبتغُون بهَا وجهَ اللهِ تعالَى، ويرجُون ثوابَهُ.
كذلكَ يرجعُ الفضلُ -بعدَ اللهِ تعالَى- إلى استعانةِ وزارةِ الداخليَّةِ بأحدثِ مخرجاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ والتقنيةِ الحديثةِ، وتدريبِ كوادرِهَا على آخرِ مَا توصَّل إليهِ العالمُ من أدواتِ اتِّصالٍ تتيحُ تبادلَ المعلوماتِ وتمريرهَا، وتقديمَ جميعِ أنواعِ المساعدةِ بكافَّةِ اللغاتِ الحيَّةِ، وكثيرٍ من اللغاتِ التي يتحدَّثُ بهَا الحجَّاجُ.
هذهِ الجزئيةُ أكَّدهَا وزيرُ الداخليَّةِ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، عندمَا قالَ لدَى استقبالهِ منسوبِي الوزارةِ: إنَّ تسخيرَ التقنيةِ والتوسَّعَ في تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ أسهمَا في تعزيزِ قدراتِ رجالِ الأمنِ في الميدانِ، وتمكينهم من إدارةِ الحشودِ وتنظيمِهَا بكلِّ احترافيَّةٍ وإتقانٍ، والحفاظِ على سلامةِ ضيوفِ الرَّحمنِ.
وقد توسَّعت وزارةُ الداخليَّةِ في استخدامِ العديدِ من المنصَّاتِ التقنيَّةِ الأمنيَّةِ المتعلِّقةِ بتوفيرِ البياناتِ وتحليلِهَا ومعالجتِهَا، إضافةً للبواباتِ الإلكترونيَّةِ التي تحصِي العددَ الدقيقَ للمعتمرِينَ والحجَّاجِ والزوَّارِ للاستعانةِ بهَا في إدارةِ الحشودِ، وغيرِ ذلكَ من المعلوماتِ، واستخدامِ عددٍ من البرامجِ المتخصِّصةِ، مثل برامج تحليلِ الفيديوهاتِ والصورِ، وغيرِ ذلكَ من تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ.
كمَا تقومُ الوزارةُ في موسمِ الحجِّ بتقديمِ ساعاتٍ ذكيَّةً لضيوفِ الرَّحمنِ، تُمكِّنهُم من طلبِ المساعدةِ الطبيَّةِ والأمنيَّةِ والتوجيهِ، واستعراضِ الحالةِ الصحيَّةِ ومعرفةِ العلاماتِ الحيويَّةِ، إضافةً إلى توفيرِ بطاقةِ «شعائر» الذكيَّة، المرتبطةِ بتطبيقٍ إلكترونيٍّ، لتسهيلِ أداءِ المناسكِ، حيثُ تتوافقُ مع المواصفاتِ الفنيَّةِ ومعاييرِ الأمانِ المعتمدةِ بدقَّةِ المعلوماتِ؛ وتتضمَّن جميعَ المعلوماتِ الشخصيَّةِ، ورمزَ الاستجابةِ السريعةِ، وترميزًا أحاديَّ الأبعادِ، وتتمُّ قراءتُهُ للتحقُّقِ من معلوماتِ حاملِ البطاقةِ، إلى جانبِ ميزةِ هويةِ النطاقِ المكانيِّ، لإرشادِ التائهِينَ.
وإذَا ما استصحبنَا في الاعتبارِ جهودَ وزارةِ الداخليَّةِ لترقيةِ الكادرِ البشريِّ وتمكينهِ من كلِّ عواملِ النجاحِ، وزيادةِ مقدراتِهم وخبراتِهم، عبرَ البرامجِ التدريبيَّةِ الرفيعةِ والمتميِّزةِ، فإنَّنا سندركُ بوضوحٍ أنَّها لمْ تتركْ شاردةً أو واردةً إلَّا أخذتهَا في الاعتبارِ، وهُو ما يتَّضحُ بجلاءٍ في النجاحاتِ المتلاحقةِ التي تحقِّقهَا لإخراجِ مواسمِ العُمرةِ والحجِّ بأعلى درجاتِ الاحترافيَّةِ والإتقان، وهُو ما ظلَّ ضيوفُ الرَّحمنِ يذكرونَهُ باستمرارٍ في مختلفِ الوسائلِ الإعلاميَّةِ.
وبحمد الله وتوفيقه، فقد انقضى الموسم بتميز تام، ونجاح منقطع النظير، وإجادة متكاملة، بعد أنْ تهيأت مكة المكرمة وأخذت زينتها لاستقبال ضيوفها الذين ازدهرت بهم جنباتها، وازدانت شوارعها برجال الأمن، الذين انتشروا لخدمة المعتمرين في كل الطرقات، يساعدون هذا ويأخذون بيد تلك، يقدمون الماء لمن يحتاجه، ويوزعون الطعام للراغبين، تسبقهم ابتساماتهم وكلماتهم الطيبة، ويقومون -بكل فخر- بعملهم تحت أشعة الشمس الحارة، بدون كلل ولا ملل.
هذَا الأسلوبُ الإنسانيُّ الرَّاقِي في التعاملِ -والذِي تنقلهُ الوسائلُ الإعلاميَّةُ في مختلفِ دولِ العالمِ علَى الهواءِ مباشرةً- يُعطي صورةً حقيقيَّةً عن طبيعةِ الإنسانِ السعوديِّ، ويؤكِّدُ من جديدٍ استحقاقَ المملكةِ للمكانةِ المرموقةِ التي تحتلُّها في وجدانِ المسلمِينَ وأفئدتِهم، بعدَ أنْ شرَّفَها اللهُ تعالَى بأنْ جعلَهَا مهبطَ وحيِّهِ، وحاضنةَ حرمَيهِ الشَّريفَينِ.