في كلِّ عيدٍ تتجدَّدُ المشاعرُ المرتبطةُ بالذكرياتِ الجميلةِ في طفولتِنَا، ومع كلِّ ذكرَى حُفرتْ في أعماقِ الوجدانِ أحاسيسٌ ترتبطُ بالزَّمانِ والمكانِ.
في المدينةِ النبويَّةِ للعيدِ مذاقٌ مختلفٌ، بدءًا من صلاةِ العيدِ، والتي نطلقُ عليهَا صلاةَ المشهدِ، حيثُ يجتمعُ أهلُ المدينةِ والزوَّارُ -رجالًا، ونساءً، وأطفالًا- وتتزَّينُ الشوارعُ والطُّرقاتُ بمنظرٍ مهيبٍ، يتزَّينُ الجميعُ بملابسِ العيدِ، وبهجةِ الألوانِ، والهدايَا التِي يتمُّ تبادلهَا بينَ الأحبَّةِ، وتناولِ الحلوياتِ المتنوِّعةِ، والوجوهُ مستبشرةٌ بالخيرِ والفرحةِ التِي تغمرنَا جميعًا في أجواءٍ روحانيَّةٍ، وسكينةٍ وطمأنينةٍ، وأمانٍ يعمُّ المكانَ.
ستبقى المدينة المنورة في حفظ الله ورعايته، منارة إشعاع نوراني رباني، ينشر هذا العبق الروحاني في عهد خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وبقيادة ومتابعة حثيثة من سمو أمير المنطقة، الذي يراقب ويرافق أهل المدينة وزوارها ومحبيها، وتذليل كل الصعوبات وتوفير كل الخدمات الجليلة التي تقدمها الدولة لهذه المدينة المقدسة.
وسيسطِّرُ التاريخُ بمدادٍ من نورٍ ما يقدِّمهُ رجالُ الأمنِ، والمسؤولُون في إدارةِ الحشودِ بحرفيَّةٍ عاليةٍ، والذِي يجعلُ المملكةَ اليوم أنموذجًا فريدًا في هذَا الأداءِ الاحترافيِّ في رحابِ المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ النبويِّ الشَّريفِ، وهذَا ما شاهدنَاهُ وشاهدهُ معنَا الملايينُ التِي تابعتْ يومَ ختمِ القرآنِ بجموعٍ مليونيَّةٍ أدَّتْ عبادتَهَا في هدوءٍ وخشوعٍ وسلامٍ، وهُم يبتهلُون للمولَى -عزَّ وجلَّ- أنْ يعيدَ عليهِم هذهِ الأيامَ المباركةَ سنينًا عديدةً وسنواتٍ مديدةً.
وفي كلِّ مرَّة أتأمَّلُ هذَا المشهدَ العظيمَ أجدُ قلبِي يرتجفُ سعادةً وهناءً وسرورًا، ويلهجُ لسانِي بالدعواتِ الصادقةِ لمؤسسِ هذَا الكيانِ العظيمِ الملكِ عبدالعزيز -طيَّب اللهُ ثراه- والذِي أضعُ صورتَهُ أمامِي في كلِّ يومٍ أخصُّهُ بدعواتِي؛ لأنَّ هذَا الرجلَ سيبقَى في ميزانِ حسناتِهِ كلُّ هذَا النَّعيمِ الذِي نعيشُ، وكلُّ هذَا الأمانِ الذِي نتفيَّأُ ظلالهُ، اذكرُوه في مجالسِكُم، وفي بيوتِكُم، وفي مدارسِكُم، وفي جامعاتِكُم، بذلَ عمرَهُ كلَّه مِن أجلِ هدفٍ وغايةٍ عظيمةٍ، أَلَا وهِي وحدةُ وطنٍ، ولكنْ ليسَ ككلِّ الأوطانِ، إنَّهُ المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ، بلدُ العظماءِ الذِين تفرَّدُوا بينَ الأممِ بالتميُّزِ في الأداءِ والطموحِ العالِي، والاتقانِ في كلِّ ما يقدِّمُونَه للبشريَّةِ، ويفتخرُونَ بخدمةِ الحَرمَينِ الشَّريفَينِ، وذلكَ فضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَدَامتْ أعيادُكُم وعادَ عيدُكَ ياوطن.