.. يُحكَى أنَّ راعيَ غنمٍ كانَ يسرحُ بغنمهِ في أعالِي الجبالِ المجاورةِ لقريتِهِ الصَّغيرةِ، وفي كلِّ مرَّةٍ كانَ يصيحُ ويستنجدُ بأهالِي القريةِ بزعمِ أنَّ الذئبَ قدْ عدَا على غنمِهِ، وهِي ليستْ إلَّا كذبةً اصطنعَهَا ليختبرَ قدرةَ قومهِ على نجدتِهِ لو عدَا الذئبُ على غنمِهِ.
وذاتَ يومٍ هاجمَ الذئبُ غنمهُ فعلًا، وصاحَ الرَّاعي، واستنجدَ ولم يجبْهُ أحدٌ...!
*****
.. وفِي المقابلِ كانَ يقولُ جوزيف غويكر، وهُو رجلُ الدِّعايةِ السياسيَّةِ في عهدِ هتلر «اكذبْ، اكذبْ حتَّى يصدِّقكَ النَّاسُ»..!
*****
.. وما بينَ الرَّاعِي وغويكر تتشابهُ السِّياقاتُ وتختلفُ الغاياتُ، ذاكَ يكذبُ من أجلِ الحقيقةِ، وآخرُ يكذبُ من أجلِ أنْ يجعلَ الكذبةَ حقيقةً...!
*****
.. وتظلُّ القضيَّةُ الأهمُّ: كيفَ تصنعُ وعيًا جمعيًّا؟ أمَّا مَا هُو أخطرُ: فكيفَ يحقِّقُ السَّاسةُ ذلكَ حتَّى ولوْ بمجرَّدِ كذبةٍ.. (وَتذكرُونَ دُولًا وشعوبًا راحتْ فيهَا بكذبةِ الديمقراطيَّةِ)...!
*****
.. ولهذَا فأخطرُ ما يواجههُ (وعي الشُّعوبِ) هُو وجودُ مَن يحاولُ اختراقَهُ، ومنْ ثمَّ إعادة صياغتِهِ وتوجيهِهِ وفقَ الأهدافِ والمصالحِ...!
*****
.. ولهذَا -أيضًا- فإنَّ وعيَ الشُّعوبِ وثقافتَهَا هِي ساحةُ معركةٍ يركِّزُ عليهَا السَّاسةُ والدُّولُ أكثرَ مِن تركيزِهِم على السِّلاحِ.. وربَّما حجرٌ صغيرٌ في المياهِ الراكدةِ، أو شررٌ بسيطٌ في الغابةِ قدْ تكونُ أمضَى من أعتَى الآلاتِ والعتادِ.
إنَّه (العدُو الخفيُّ) الذِي يفتكُ بنَا دونَ أنْ ندرِي...!
*****
.. وإذَا كانَ مَا يجرِي علَى ساحتِنَا العربيَّةِ من أحداثٍ لا يمكنُ فصلُ تفسيراتِهَا بعيدًا عن (مخطَّطِ الشَّرقِ الأوسطِ الكبيرِ) لتفتيتِ دولِ المنطقةِ، فإنَّ هذَا المخطَّطَ يستهدفُ بالدرجةِ الأُولَى وعينَا الجمعيَّ من خلالِ: إثارة الصِّراعاتِ المذهبيَّةِ والطائفيَّةِ، والنَّعراتِ العرقيَّةِ، ونظريَّاتِ «الفوضَى الجماعيَّةِ» و»الفوضَى الخلَّاقةِ»، والربيعِ العربيِّ، والمخدِّراتِ، وحملاتِ التشويهِ.
كلُّ ذلكَ وغيرَهُ يعملُ بصورةٍ مركَّزةٍ ومكثَّفةٍ علَى (الوعي العربيِّ) من أجلِ زعزعتِهِ وتشتيتِهِ وهشاشتِهِ..!
*****
.. وعلينا أنْ نعي تماماً أنَّ أحداً لا يستطيع أنْ يقنعنا، أو يفرض علينا ما لا نؤمن به، ولكن ربما استطاع هذا الأحد أنْ يخدعنا فيما نؤمن به، ومن هنا فإنَّ مسالة حماية (الوعي) والمرتكزات والثوابت هي مسوؤلية الحكومات العربية بكل مؤسساتها، وهي مسؤولية الشعوب العربية بكل مكوناتها وطوائفها...!
*****
أخيرًا...
يقولُونَ حينَ تشاهدُ صفحةَ الماءِ فقدْ ترَى وجهَ القمرِ، أوْ ترَى وجهَكَ.. غيرَ أنَّ الإنسانَ العربيَّ -وهُو في غيبوبتِهِ العقليَّةِ- حينَ يشاهدُ صفحةَ الماءِ قدْ لا يَرَى إلَّا البلهاريسيَا!!!
حقًّا إنَّ تلويثَ العقلِ أخطرُ من تلويثِ الأجسادِ...!!