* الجريمةُ البشعةُ التي هزَّت عمومَ المنطقةِ العربيَّةِ قبلَ أيامٍ؛ بمقتلِ طفلٍ بريءٍ (١٥ عامًا) وإخراجِ أحشائِهِ، لا لشيءٍ إلَّا من أجلِ بيعِ (مشهدِ الذَّبحِ) على الإنترنت، مقابلَ ١٠٠ ألفِ دولارٍ، أعادتْ إلى الأذهانِ مصطلحًا كريهًا؛ وغيرَ متداولٍ كثيرًا، هو مصطلحُ (الشبكةِ المظلمةِ)، ويعنِي ذلكَ الجزءَ الغامضَ وغيرَ النَّظيفِ من الإنترنت، أو الشَّارع الخلفيِّ المظلمِ للشبكةِ العنكبوتيَّة، حيثُ تزدهرُ الجريمةُ، ويُتداولُ المالُ القذرُ بكافَّةِ أشكالِهِ.
* تقومُ هذه المستعمرةُ القذرةُ على جهودِ أفرادٍ ومنظَّماتٍ، وكذلك عصاباتٍ؛ تعملُ على دعمِ برمجيَّاتٍ تقومُ بتشفيرِ وإخفاءِ حركةِ مرورِ المعلوماتِ (السوداءِ)، من خلالِ سلسلةٍ من الخوادمِ التِي يديرُهَا متطوِّعُون؛ ممَّا يجعلُ من الصَّعبِ اكتشاف هويَّةِ الموجودِينَ داخلَ تلكَ الدهاليزِ، أو تعقُّب أماكنهم وتنقلاتِهم.. والمؤسفُ أنَّه على العكسِ من كلِّ ما تعلنهُ (الجهاتُ القانونيَّةُ والرقابيَّةُ العالميَّةُ)، من محاربتِهَا لأوكارِ ومحتوياتِ هذهِ الشبكةِ السَّامةِ، إلَّا أنَّ الواقعَ يقولُ: إنَّها تتضخَّمُ وتكبرُ كلَّ يومٍ، حتَّى أنَّ بعضَ الخبراءِ قدَّر حجمَها بأنَّه أكبرُ من حجمِ الشبكةِ العنكبوتيَّةِ الظاهرةِ (الجزء المفهرس بواسطةِ محرَّكاتِ البحثِ القياسيَّةِ) من 400 إلى 500 مرَّة!.
* في تلكَ الشوارعِ المظلمةِ حدِّث عن كلِّ أشكالِ الجريمةِ ولا حرجَ، فبالإضافةِ إلى تداولِ السلعِ غيرِ القانونيَّةِ، هناك خدماتُ الإرهابِ والإباحيَّةِ والاحتيالِ والنَّصبِ، بدءًا من خدماتِ القرصنةِ، إلى بيعِ المعلوماتِ البنكيَّةِ، وكلماتِ المرورِ المسروقةِ، والمستنداتِ المزيَّفةِ التِي يمكنُ استخدامُها في التنكُّرِ وانتحالِ الهويَّةِ، أو الهجماتِ الإلكترونيَّةِ والتَّهريبِ، كما تُسهِّل هذهِ الأسواقُ شراءَ وبيعَ مختلفِ السلعِ والخدماتِ، بمَا في ذلكَ الأعضاءُ البشريَّةُ، والمخدَّراتُ، والأسلحةُ، وأدواتُ القرصنةِ، وأرقامُ البطاقاتِ الائتمانيَّةِ.
أمَّا ذروةُ هذهِ الفواجعِ فهِي بالتأكيدِ (الغرفُ الحمراءُ) التي يجدُ فيهَا (الساديُّونَ) بثًّا مباشرًا، أو مقاطعَ مسجَّلةً للتعذيبِ، والاغتصابِ، أو القتلِ المفصَّلِ، وفي الغالبِ تستخدمُ هذهِ الأسواقُ (العملاتِ المشفَّرةَ)، مثل: (البيتكوين)، و(المونيرو) في تعاملاتِهَا الماليَّةِ؛ بسببِ طبيعتهَا الغامضةِ والمجهولةِ.
* المفزعُ في الأمرِ أنَّ الأطفالَ ركنٌ أساسٌ في عمليَّاتِ الإنترنت المظلمةِ، ففِي العامِ 2014 توصَّل الباحثُ غاريث أوين من جامعةِ بورتسموث إلى أنَّ المحتوَى الأكثرَ شيوعًا على أنظمةِ الإنترنت المظلمِ يتعلَّق بمواد الاستغلالِ الإباحيِّ للأطفالِ.
وفي قضيَّةِ القتلِ التِي حدثتْ قبلَ أيام صدمتنَا الأخبارُ المتواترةُ بأنَّ المتَّهمَ بالتَّحريضِ على قتلِ الطفلِ؛ هُو طفلٌ آخرُ لا يتجاوزُ عمرُه خمسةَ عشرَ عامًا، اعترفَ في التحقيقاتِ أنَّه قد سبقَ لهُ فعل هذهِ الجريمةِ من قبل!.. وهُو خبرٌ يستوجبُ منَّا (أفرادًا ومؤسساتٍ) الشعورُ بالمسؤوليَّةِ تجاهَ خطرٍ هذهِ الشبكةِ على أبنائِنَا من الأطفالِ والمراهقِينَ، والعملُ الجادُّ على حمايتِهم من هذهِ الظلماتِ التِي لا يفصلهُم عنهَا سِوَى ضغطةِ زرٍ!.