إن فكرة العناية بالموهوبين ودعمهم بدأت منذ القدم، وتكاد تكون الصين من البلاد السباقة في هذا المجال، فمنذ سلالة «تانغ» التي حكمت الصين في الفترة (618م - 907م)، كان القصر الإمبراطوري يحتضن الموهوبين، ويستخدم شتى الطرق لصقلهم ودعمهم والعناية بهم.
في اليابان وفي فترة الحاكم «توغاوا»، (1604م - 1868م)، كان أطفال ما تسمى بطبقة «الساموراي» يتلقون التدريبات العسكرية، وفنون الخط، والقيم الأخلاقية، وكتابة التاريخ، وآداب المجتمع الياباني، أما العامة فكان يتم تعليمهم وفقاً لقواعد الطاعة والولاء، والمثابرة.
وقد ظهر وقتها الكثير من العلماء اليابانيين الذين قاموا بإنشاء دوراً مخصصة للأطفال الموهوبين من كلا الطبقتين، الساموراي والعامة.
وبالانتقال إلى أوروبا، فنجد أنها تأثرت في عصر النهضة بما يسمى بعلم التصاميم والجماليات، العلم الذي أتاح الفرصة لظهور الفن الراقي في الكنائس، والمباني، والمتاحف، والهندسة المعمارية، وفي تلك الفترة كان الاهتمام كبيراً في أوروبا للبحث عن المتفوقين ومكافأتهم، وتشجيعهم، الأمر الذي أدى لظهور: ميكائيل أنجلوا، ليوناردو دافينشي، روفائيل، بيكاسيو، ودانتي وغيرهم من الموهوبين.
ومع بداية تأسيس أمريكا في عام 1776م، لم يكن الاهتمام بالمتفوقين يشكل قضية هامة، وكان الاهتمام وقتها منصبًّا في تأمين التعليم بشقيه الثانوي والجامعي المدفوع الثمن، وبعده تم إصدار قوانين التعليم الإلزامي والذي أدى لإتاحة التعليم للجميع، وبقي المتفوقون في إطار محدود من الخدمات والرعاية المطلوبة.
وفي عام 1870م، أنشأت مدارس (سانت لويس) الأمريكية مبدأ المتابعة الدراسية المتعددة، وظهر وقتها أسلوب السماح للطلبة المتفوقين بتسريع تعليمهم، بحيث يمكنهم إتمام الصفوف الثمانية الأولى بأقل فترة زمنية مقارنة بأقرانهم من الطلاب العاديين.
وفي عام 1891م، وفي مدينة (كامبردج) بولاية ماساتشوستس، قامت المدارس بتطوير نظام المسار، وقام مرشدون تربويون بتوجيه الطلبة نحو تسارع تعليمي، وفي بداية عام 1900م، ظهرت ما تسمى بصفوف التقدم السريع التي اختزلت الفترة الزمنية للدراسة من ثلاث سنوات إلى سنتين.
وظهرت خلال الفترة الزمنية من 1901م - 1916م صفوف الفرص في ماساتشوستس، ولوس أنجلوس في كاليفورنيا، وسينسنا تي بولاية أوهايو، وتم إعداد برامج خاصة بالمتفوقين مع بداية عام 1920م في الكثير من المدن الأمريكية مثل أوربانا وكليفلاند وغيرها.
أما أولى المحاولات العلمية لفهم ظاهرة التفوق العقلي، ما قام به الخبير الإحصائي وعالم النفس الإنجليزي في العصر الفيكتوري «غالتون» عام 1869م، من خلال التعرف على دور الوراثة في تكوين الموهبة والتفوق العقلي، ثم توالت البحوث في هذا المجال حتى جاء الفرنسي «ستانفورد بينيه» عام 1905م، فطوَّر اختباراً للذكاء، وتم تطبيقه في تصنيف الأطفال والتعرف على ذوي الذكاء المنخفض، وكذلك ذوي الذكاء المرتفع، والذين أطلق عليهم «الموهوبون»، وأصبح هذا المقياس من أهم مقاييس التعرف والكشف عن الموهوبين.
ثم توالت الدراسات، وظهرت مفاهيم جديدة في تعريف الموهبة، ويعتبر التعريف الذي طوَّره «رنزولي» عام 1978م، من أحدث التعريفات التي لاقت إقبالاً واهتماماً من الباحثين.