منذ زمن بعيد وأنا أطرح سؤالاً ملحاً على نفسي فلا أجد له الإجابة الشافية الكافية، هذا السؤال مفاده:
لماذا العرب أمة متخلفة عن الدول المتقدمة بالرغم من توفر كافة المقومات الفكرية والجسدية والمكانية لدينا كما هو الحال لديهم أو قد يكون أكثر؟
ولعلي اليوم وأنا أستلهم الكثير من خبراتي وتجاربي الحياتية مع غيري من أفراد المجتمع العربي سواء المباشرة منها أو في ظل ما نعيشه من تواصل فكري وثقافي وفرته لنا التقنيات الحديثة التي نجيد استخدامها ونفتقر لصناعتها فأقول:
إن إطلاق المهارات الفكرية والجسدية واستثمارهما إيجابياً هو السبيل الوحيد للنمو الحضاري والابداع والابتكار لتحقيق مطالب المعرفة الحقيقية التي تحقق لنا النمو، ولو أسقطنا هذا المبدأ على واقع الحال لمجتمعاتنا العربية لوجدناها تصطدم بالكثير من الكوابح والعقبات والصعوبات التي تصدها في مهدها وتكبحها كلما حاولت الظهور فعلى سبيل المثال لا الحصر:
نجد أن مهاراتنا الفكرية التي وهبها الله لنا تقابل منذ الصغر بالكبح والقمع داخل الأسرة بحجة العادات والتقاليد المبالغ فيها والمتوارثة من أجيال تلو أجيال وهذه تعد الأهم لأنها تعد مرحلة البناء والتأسيس الفكري والمهاري ثم تليها مرحلة المدرسة فتجد كوابح أخرى بحجة الأنظمة التعليمية الضامرة فتتضاعف تلك الممنوعات والمنهيات المبالغ فيها في مقابل ضمور وتقادم الطرائق البالية المتبعة في التعليم فتكون النتيجة قتل ما تبقى من تلك المهارات في مهدها فتلفظ لنا من المخرجات فئة معقدة لا تجيد إلا الحفظ والتلقين وقال فلان وقال علان، حيث يتحول الاتجاه الفكري للمخرجات التعليمية من المستقبل إلى الماضي وهكذا تتلقف الجامعات هذه الدمى الفكرية فتزيد الطين بله من خلال دفعها -أي المخرجات- إلى تخصصات تختارها الجامعات ولا يهم اتجاهات الطلبة وهنا تتحول حركة المجتمع إلى ما يشبه حركة مياه النافورة التي تعود مياهها منها وإليها.
أما بالنسبة للمهارات الجسدية فحتماً ليست ببعيدة عن تلك الكوابح والأقماع لكنها مختلفة من حيث الأدوات فتعليم المهارات التي تستطيع التعامل مع مطالب الحياة كالعلوم التطبيقية لا تخرج عن التلقين في أغلب مجالاتها ولا مكان للتدريب المهاري منذ الصغر فالمدارس تفتقد لذلك والجامعات كذلك وما يفعله خريجو تلك المجالات التطبيقية هو البدء من الصفر في التدريب الميداني فيحدث الخطأ المتراكم وتكون النتيجة سلبيات أخرى متراكمة.
وبالطبع أن هذا الحال كان بالإمكان تغييره من قبل القادة على مختلف المستويات لكن كما يقول المثل (فاقد الشيء لا يعطيه) ويقيني أن بأيدينا أن نغير هذا الحال إلى أحسن حال إذا وجد من يقود هذا الفكر الجاد القوي الأمين ليعيد بناء المهارات الفكرية وكذلك الجسدية في تلك المجتمعات.
ولعل الدليل البين على ذلك الواقع هجرة الكثير من الأدمغة العربية إلى الدول المتقدمة وإطلاق مهاراتهم المكبوتة فأصبحوا مثالا يقتدى به في الإبداع والإتقان في كافة المجالات العلمية كالطب والهندسة والكيمياء والفلك.
ولعلي هنا أستطيع أن أضرب مثالاً حياً أصبحنا نعيشه هذه الأيام في المملكة العربية السعودية عندما استطاع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقه الله- أن يحيي الكثير من الآمال في محاربة تلك العقبات في مختلف المسارات التنموية فما نعيشه والحمد لله في المملكة أصبح نبراساً للغير ليحذو حذوه بقية الدول العربية الأخرى فبلادنا العربية تكتنز كل مقومات التنمية والتطور الحضاري فقط من يستثمرها الاستثمار الأمثل.