كعلمٍ وطبيعةِ ممارسةٍ، لكلِّ صناعةٍ خصائصُهَا التِي تنجحُ من خلالِ تطبيقِهَا وتنفيذِهَا، خاصَّةً في المزيجِ التمويليِّ، وهُو الاقتراضُ طويلُ وقصيرُ الأجلِ، وحقوقُ الملَّاكِ، ومن خلالِ هذهِ المعادلةِ يكونُ التمكينُ وتحقيقُ الربحيَّةِ. ولكنْ مثلُ هذهِ الآليَّاتِ لا تتوفَّر في كلِّ أسواقِ العالمِ، حيث تجدها تختلف في دول العالم الأول مقارنةً بالدولِ الناميةِ، وتصبحُ القدرةُ أقلَّ، وبالتَّالِي تؤثِّر بصورةٍ كبيرةٍ على التنميةِ الاقتصاديَّةِ. وتجدُ أنَّ هناكَ دولًا تكونُ التنميةُ لديهَا والتجاوبُ والقدرةُ على النجاحِ، أكثرَ من غيرهَا؛ ممَّا يجعلهَا عاملًا مؤثِّرًا في قطاعِ الأعمالِ، وإنْ كُنَّا نرَى أنَّ هناكَ قدرةً على استخدامِ جزءٍ من قطاعِ الأعمالِ لمحاكاةِ مَا يتمُّ في العالمِ، من خلالِ توفُّرِ قدرةٍ وإمكانيَّةٍ ماديَّةٍ على الضَّغطِ، حيثُ نجدُ المؤسَّساتِ الماليَّةَ تديرُ وجههَا إلى الجانبِ الآخرِ.
عندَ ذهابِ المستثمرِينَ الصناعيِّين لتطبيقِ مشروعاتِهم، من خلالِ صندوقِ التنميةِ الصناعيَّةِ، يُفاجأُ بعضهُم بعدمِ الموافقةِ على قرضِهم المطلوبِ، في حينِ يجدُ البعضُ الآخرُ موافقةً على القرضِ، ولكنَّهُ لا يتجاوزُ ٤٠٪ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ، وعندمَا يلجأُ المستثمرُونَ إلى البنوكِ يجدُونَ البابَ موصدًا أمامَهم، فالمصنعُ مرهونٌ بالإضافةِ إلى الأصولِ -أحيانًا- لدَى صندوقِ التنميةِ الصناعيَّةِ، وليسَ أمامَهم سِوَى التمويلِ أو ضخِّ حقوقِ الملَّاكِ، وتصبحُ الملكيَّةُ تتجاوزُ ٦٠٪، في حينِ أنَّ النسبةَ الذهبيَّةَ للربحيَّةِ في حدودِ ٣٦٪، كمَا هُو معمولٌ بهِ في معظمِ دولِ العالمِ؛ لأنَّ بابَ القطاعِ الماليِّ مقفلٌ أمامَهم بصفةِ أنَّ المشروعَ حديثٌ أوْ (green field)، فليسَ أمامَهُ سِوَى الضخِّ أو الإغلاقِ. ولعلَّ مَا يزيدُ الضغطَ على الصناعةِ، هُو عدمُ دقةَ دراساتِ الجدوَى حولَ إنشاءِ المشروعِ واحتياجاتِهِ الماليَّةِ. فمن النَّادرِ أنْ تجدَ دراسةَ جدوَى تستطيعُ التنبؤُ بالاحتياجاتِ الماليَّةِ بدقَّةٍ، ورأسِ المالِ العامل. علاوةً على أنَّهُ حسبَ الرُّخصِ للمنتجاتِ في ظلِّ وجودِ هيئةِ الغذاءِ والدَّواءِ تزيدُ من المفاجآتِ للمُصنِّعينَ، حيثُ قدْ يجدُ المُصنِّعُ وبكاملِ تكاليفهِ في انتظارِ سنةٍ أو سنتَينِ لبدءِ الإنتاجِ؛ بسببِ الرُّخصِ والتَّصاريحِ، الأمرُ الذِي يُعمِّقُ الجروحَ في ظلِّ ضغوطِ المنافسةِ وهُو في البدايةِ، ولنْ تجدَ دراسةَ جدوَى واحدةً تستطيعُ أنْ تعطيكَ موعدًا واضحًا حولَ تاريخِ البدءِ. لذلكَ -دومًا وأبدًا- ما تؤدِّي فجوةُ القدرةِ على الاقتراضِ، وتاريخُ البدءِ، وفجوةُ تقديرِ التكلفةِ، إلى خسارةِ الصناعةِ، وعدمِ قدرتهَا على الاستمراريَّةِ، والخروجِ من السوقِ.